ولا سيما إذا كان ممن يقتدى بفعله فلا اختصاص له بخصوص ما كتمه أهل الكتاب في شأن الإسلام وأوصاف الرسول ونحو ذلك.
ثم إن كتمان ما أنزله الله تعالى على أقسام :
الأول : أن يكون الكتمان مع العمد والالتفات ووجود المقتضي للإظهار وفقد المانع عنه ولا ريب في كونه من المعاصي الكبيرة وشمول اللعن له ، فعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» ، والأخبار في ذلك كثيرة بين الفريقين وكلها مطابقة للحكم العقلي الدال على قبح كتمان الحق وحسن إظهاره.
الثاني : أن يكون الكتمان عن جهل وكان الجاهل مقصرا في ذلك وهو مثل الأول في شمول اللعن. وأما إذا كان قاصرا ـ على فرض وجوده ـ وكان معذورا فيه فلا يشمله اللعن قهرا.
الثالث : أن يكون الكتمان لأجل مصلحة شرعية فحينئذ يجب ولا يشمله اللعن قهرا.
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا). التوبة بمعنى الاعتذار المقرون بالاعتراف بالإساءة. والاعتذار يكون على أقسام :
الأول : أن يقول المعتذر لم أفعل.
الثاني : أن يقول فعلت لأجل كذا وكذا.
الثالث : أن يقول فعلت وأسأت وقد اقلعت.
والأخير هي التوبة الواردة في الكتاب والسنة ، وكل اعتذار يستلزم الرجوع إلى المعتذر منه فيصح تفسير التوبة ب «الرجوع» أيضا ، فهي أيضا رجوع إلى الله تعالى بعد الإعراض عنه بالمخالفة.
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في ما يقرب من تسعين موردا بهيئات مختلفة منسوبة تارة : إلى الفاعل. وأخرى : إلى القابل ، وهو الله تعالى قال سبحانه : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) [سورة المائدة ، الآية : ٣٩].