الآية السابقة حكم الكافرين الذين كتموا الحق في الدنيا وأنهم يستحقون اللعن إلّا الذين تابوا وأظهروا ما كتموه.
وفي هذه الآية يبين حالهم في الآخرة إذا أصروا على الكفر والعناد على الحق والجحود له وماتوا على الكفر ، فانه يلزمهم الذل والهوان والطرد عن رحمته والخلود في العذاب.
قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). أي : أنّ أولئك الكافرين الذين لم يتوبوا وماتوا على الكفر أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين حتّى من أهل مذهبهم ، لأن هذا الشخص أهل للعن فيستحقه من الجميع.
ولعن الملائكة والنّاس باعتبار استلهامهم التكويني اللعن الدائمي من المبدأ القيوم لكل من طرد من ساحته.
وإنما ذكر لعنهم مع أن لعن الله تعالى وحده يكون كافيا في خزيهم وعذابهم ، لأجل بيان صلاحية أولئك الكفار للّعن والبعد عن ساحة الرحمن فيستحق اللعن من كل من امكنه الاطلاع على حالهم.
والآية تشير إلى قضية عقلية فطرية ، وهي أن من أصر على الكفر والحجب عن منبع النور ، فهو قد حجب بصره وبصيرته عما هو في غاية الجلاء والظهور فلا محالة يكون محجوبا عن استشراق النور ، ومطرودا عند كل من كان مرتبطا تكوينا او اختيارا أو كليهما معا مع منبع النور ، وهم الملائكة وكل من يعتد بلعنه ، وهذا معنى لعن الله والملائكة والنّاس أجمعين ، فلا وجه للانتظار والإمهال في حقه بعد الإصرار على الكفر والجحود للحق وعدم رجاء الإيمان والصلاح منه.
ولعن الملائكة والنّاس لا يلزم أن يكون مسموعا او يحس به احد فإنه لا ريب في كون الملائكة والأنبياء والأولياء ومن يتبعهم يحبون من أحبه الله تعالى ، ويلعنون من لعنه تعالى لانبعاثهم جميعا عن إرادة الله تعالى وأمره.
واما غيرهم من مخلوقاته فإنه يمكن أن يكون لعنهم كتسبيحهم لا يفقهه