أحد قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٤] فإن ما سوى الله تعالى في جميع العوالم العلوية والسفلية يرتبط بخالقه وصانعه بأقوى الروابط والعلائق يستلهم تدبيرات شؤونه من خالقه وصانعه ، كما أن الخالق والصانع يرتبط بمصنوعاته ، وبهذين الارتباطين يقوم نظام التكوين من أوج المجردات إلى حضيض الماديات وبه تتم القيمومة المطلقة على الممكنات جميعا وعلى هذا فكل من طرده الحي القيوم عن ساحة كبريائه يستلزم الطرد من الغير أيضا لأجل تلك الإضافة اليه تعالى ، وكل ما كانت الإضافة أشد كان الطرد أقوى والمبغوضية أشد ، ويستفاد ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على ثبوت الحياة المعنوية والتوجه إلى الخالق في جميع مخلوقاته ، وللبحث تتمة تأتي في محله إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) مادة (خ ل د) تأتي بمعنى بقاء الشيء على ما كان عليه وعدم عروض الفساد بالنسبة إليه ، وأما التأبيد فلا يستفاد من ذات المعنى بل لا بد فيه من الرجوع إلى القرائن ، لأن الخلود من الأمور الإضافية ، فما يبقى ألف سنة ـ مثلا ـ خالد بالنسبة إلى ما لا يبقى الا سنين قليلة. وأما بالنسبة إلى بدء الحدوث فله مبدأ معلوم معين كسائر الحوادث. وقد وردت هذه المادة في القرآن العظيم بهيئات مختلفة ـ مصدرا ومفردا وجمعا ـ ولا سيما بالنسبة إلى أصحاب الجنّة والنّار.
والخلود والدوام باعتبار أصل الحدوث لا فرق بينهما لما ثبت في محله من امتناع القديم بالذات الا في الله تعالى ، وكذا باعتبار البقاء لا فرق بينهما.
نعم قد يقال : إن الدوام هو ما لم يزل ولا يزال بخلاف الخلود وهو باطل : لانحصار الأزلية والأبدية في الله تعالى ، فيكون من المغالطة بين المصداق والمفهوم ، ولا ريب في اطلاق الدوام عليه تبارك وتعالى ومن أسمائه الحسنى (يا دائم).
وأما الخلود فلم يطلق عليه تعالى إلّا في بعض الدعوات : «لك الحمد حمدا خالدا بخلودك» فيصح اطلاق الدوام والخلود بالنسبة إلى ما ليس له أول