يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)).
الآيات مرتبطة بالآيات السابقة فانها بمنزلة التعليل لجملة كثيرة من ما ورد في الآيات السابقة كجعل الإمامة ، وبناء البيت ، وتشريع بعض أعمال الحج ، وجعل القبلة ، ولعن الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات ، وقبول توبتهم ، فذكر سبحانه وتعالى أوّلا أنّ المعبود واحد ورحمته عامة تشمل الجميع وإن اختلف متعلقها من حيث الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية ، ثم شرح ذلك في الآية الثانية بذكر آيات عظام ينتظم بها أمور العالم ويعيش بها كل ذي حياة. ومجموعها تدل على أنّ من كانت صفاته هكذا فهو مبدأ كل خير ومنتهى كل أمر.
التفسير
قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). تقدم ما يتعلق بلفظ الإله في البسملة من سورة الفاتحة والمستفاد من ما ذكرناه هناك أنه محبوب كل الأشياء ، قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٤] ولا ريب أنّ التسبيح فرع المحبة.
والواحد مبدأ التكثرات ، أي أنه واحد الذات والصفات والأفعال وفي عين ذلك هو مبدأ التكثرات ومفنيها ، كما يكون الواحد كذلك وقد نسب إلى مولانا الجواد (عليهالسلام) في بيان معنى الواحد فقال (عليهالسلام) : «إجماع الألسنة عليه بالوحدانية ، لقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) فجعل (عليهالسلام) مناط الوحدانية الخلاقية العظمى التي اجتمعت الألسن عليها دون سائر جهات الوحدانية التي تقصر العقول عن درك بعضها فضلا عن جميعها.
وقد فرق العلماء بين الواحد والأحد ـ بعد كون الأخير هو الواحد أبدلت الواو همزة ثم خفف اللفظ فصار أحدا ـ بوجوه تقدمت في آية ١٣٣ من هذه