شيء ، ومضمونها من أقرب الأشياء إلى الفطرة ، وأوضح الأمور التي يقبلها العقل السليم ولا يحتاج إلى البرهان ، لكنه تبارك وتعالى بعظيم لطفه وسابق منّه شاء أن يرشد الإنسان إلى ذلك بإقامة الحجة القيمة ليستفيد منها العالم وغيره كل بحسب استعداده ، وليكون العلم بذلك بالبرهان المتين ، فذكر جلّت آلاؤه بعض الآيات من خليقته وظواهر الكون الدالة على وحدانيته ورحمته.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). مادة خلق تأتي لمعان منها : إبداع الشيء من غير مثال ، كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٧٣] ، فهو مثل البديع ، قال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة البقرة ، الآية : ١١٧] ، وفاطر قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة الفاطر ، الآية : ١] وهذا مما يختص به تعالى ، قال عزوجل : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [سورة النحل ، الآية : ١٧].
ومنها : إيجاد شيء من شيء ، قال تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) [سورة النحل ، الآية : ٤] ، وقال تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ) [سورة الرحمن ، الآية : ١٤] ، وقال تعالى : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) [سورة الرحمن ، الآية : ١٥] ، وبهذا المعنى يصح استعماله في غيره تعالى ، قال عزوجل : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) [سورة المائدة ، الآية : ١١٠].
ومنها : التقدير ، ويصح استعماله في غيره تعالى أيضا ، لأن التقدير من مبادئ كل إرادة نفسانية ، ولعل منه قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٤] ، وربما يكون المراد منه الخالق الاعتقادي لا الواقعي كقوله تعالى : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [سورة ص ، الآية : ٥]. وقد ثبت في محله امتناع تعدد الآلهة الواقعية.
والسموات هي الأفلاك العلوية بجميع أجرامها وكواكبها المختلفة ومنظوماتها المتعددة ـ التي منها منظومتنا الشمسية ـ المختلفة في أعدادها