عنصر من عناصر الطبيعة إلها استحق منه التعظيم والتقرب إليه بأنواع القرابين ، فجعل السماء إلها ، وللأرض إلها ، وللمطر إلها. وللشجر إلها ، وللحب إلها ، وللشمس إلها وللقمر إلها إلى غير ذلك مما ضبطه التاريخ.
ونسب ما يصيبه من المكاره والمحن إلى هذه الآلهة إما لأجل غضبها على الإنسان ، أو لأجل الصراع المستمر بين الآلهة أنفسها ، حتّى يؤول الأمر إلى الغضب على الطبيعة ، فيلحقها الدمار الشامل كما في قصة الطوفان.
ويمكن تلخيص ما اعتقده الإنسان في عصر التنزيل في الطبيعة والإله فيما يلي :
الأول : تعدد الآلهة والإعتقاد بأن لكل عنصر من عناصر الطبيعة إلها يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء في حدود ما ثبتت إلهيته.
الثاني : انه يرى قدم العالم وأزليته بقدم الآلهة وأزليتها.
الثالث : إنّه يعتمد في نظرته للطبيعة وعناصرها أن لها أرواحا تعمل بالإرادة الكاملة وتستحق التعظيم والعبادة ، وأن الإنسان مسيّر تحت ارادتها.
الرابع : إسناد الحوادث كلها إلى هذه العناصر الطبيعية ، فان كانت رخاء ونعمة فهي من تقارب الآلهة كما اعتقد أنّ عمران الأرض بالنبات والأنهار والأمطار كان نتيجة التقارب بين آلهة السماء وآلهة الأرض. وأما إذا كانت الحوادث سوءا ودمارا فهي من غضب الآلهة على الإنسان أو من الصراع المستمر بينها.
الخامس : تأثير العناصر السماوية في العناصر الأرضية.
ولقد نزل القرآن الكريم في هذه الظروف وكان أول همه إرجاع الإنسان إلى وجدانه ووعيه عن طريق التأمل والتفكر في ما حوله من الأشياء وأحكمه بأشد الإحكام ، وذم التقليد والعصبية في الآراء ، وبذلك بيّن الطريق المستقيم الذي يوصل الإنسان إلى الكمال والهداية عن غيره وفي نفس الوقت حدّد علاقة الإنسان بالطبيعة ، وهي بالإله ، وبيّن بوضوح حقيقة الطبيعة وموقف الإله منها بأسلوب بياني رائع يقبله الطبع السليم ، وكان له القول الفصل في ذلك