بحيث أصبح منارا يحتذي به كل متأله وحكيم ، ومنه استمد كل من كتب في الفلسفة الإلهية والحكمة المتعالية.
ومحصل ما يستفاد من القرآن في ذلك ما يلي :
الأول : أنّ الطبيعة بجميع عناصرها ـ السماوية منها والأرضية ـ كلها حادثة ومخلوقة لله تعالى وهي خاضعة لإرادته يفعل فيها ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهي تدل على وحدانيته تعالى وحكمته المتعالية ، قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٥٤]. تبين هذه الآية بوضوح كيفية خلق السموات والأرض وأنها حادثة وليست أزلية.
الثاني : أنّها كما لا تكون أزلية ـ أي قديمة ـ لا تكون خالدة وأبدية ، يصيبها الفناء كما يصيب كل مخلوق مسخر ، قال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٤٨].
الثالث : أنّه خلق السموات والأرض بلا شريك له في الخلق ولا وزير ، قال تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٩١].
الرابع : أنّه لا تنازع ولا صراع بين أفراد الطبيعة وعناصرها كما زعموه ، بل كلها مسخرات بأمره كما في الآية المتقدمة.
الخامس : أنّها خلقت لأغراض صحيحة وفق نظام محكم وقواعد علمية متقنة ، وإنها تدل على وحدانية وحكمته التامة وربوبيته العظمى قال تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [سورة ص ، الآية : ٢٧] والآيات في ذلك كثيرة.