اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧))
بعد أن ذكر سبحانه جملة من مصنوعاته التي في كل واحدة منها آيات دالة على توحيد الخالق ، وقدرته ، ورحمته ، وعلمه وحكمته التامة البالغة ، ورغب الناس إلى التفكر والتأمل فيها ، عقبها بهذه الآيات للإشارة إلى أنه مع وجود هذا الإله القادر المحيط الحكيم وبعد تلك الآيات الباهرات لا موضوع لاتخاذ الند من دونه ومن فعل ذلك فليس إلّا من نهاية غفلته وسيأتي يوم يتبرّأ أحدهم من الآخر ويستحقون الخلود في النّار.
التفسير
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً). الأنداد ، والأكفاء ، والأشباه ، والإشكال ، والأقران ، والنظير بمعنى واحد ، والفرق بينها بالاعتبار ، ففي الاتحاد في الذات يقال : ند ، وفي الاتحاد في الأمور المتعارفة يقال : كفو ، وفي الاتحاد في عرض من الأعراض يقال : شبيه ، وفي الاتحاد في القدر والمساحة يقال : شكل ، وفي الاتحاد في الكيفية يقال : نظير. وربما لا تلاحظ هذه الخصوصيات فيطلق بعضها في محل البعض الآخر ، والمثل أعم من الجميع ، فكل ند مثل ولا عكس ، ومن عبر عن الأنداد بالضد يكون من اشتباه المفهوم بالمصداق ، لأن الضدين أمران وجوديان لا يجتمعان في موضوع واحد ، فمن جهة شمول الوجود لهما يكونان مثلين ، وفي جملة من الدعوات : «وكفرت بكل ند يدعى من دون الله». والأنداد أعم من تأليههم أو اتباعهم في الأفعال والأعمال.
وإنما عبر تعالى بلفظ «الناس» تعميما لجميع أفراد الإنسان من حين نزول الآية المباركة إلى قيام يوم الحشر فانه يكون فيهم أفراد يتخذون من دون الله أندادا في كل زمان ومكان ، ولا يختص ذلك بقوم دون آخرين بل يمكن أن