يكون الخطاب من قبيل القضايا الطبيعية الشاملة لما قبل نزول الآية أيضا.
وإنما ذكر تعالى لفظ «الله» دون الرحمن الرحيم وأمثالهما من الصفات لبيان إثبات الدليل على بطلان اتخاذ الند من دونه ، فان لفظ «الله» اسم للذات المسلوب عنها جميع النقائص الإمكانية. يعني : أن من كان هكذا يكون أخذ الند في مقابله لغوا عند كل ذي شعور ودراية ويستقبح ذلك.
قوله تعالى : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ). الحب معروف ، وهو من المفاهيم التي قصرت الألفاظ عن بيان حقيقتها ، والكلمات عن الإحاطة بها ، فإيكاله إلى الوجدان أولى من التعرض له باللفظ والبيان.
وقد وردت مادة (ح ب ب) في القرآن الكريم كثيرا وهو من الله تعالى لخلقه ، قال تعالى : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩٥] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [سورة الممتحنة ، الآية : ٨] ، وقال جلّ شأنه : (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٤٦] وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [سورة التوبة ، الآية : ٤] إلى غير ذلك مما هو كثير ، ومن الخلق لله تعالى قال سبحانه : (يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [سورة المائدة ، الآية : ٥٤]. وبالنسبة إليهما معا قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [سورة ، آل عمران ، الآية : ٣١]. ومن الخلق للخلق قال تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا) [سورة يوسف ، الآية : ٣٠].
والحب أصل جميع المقامات والأحوال ؛ فهي إما وسيلة إلى حصوله أو هي ثمرة من ثمراته ، كالتوحيد ، والرجاء ، والخوف ، والتوكل ، وغير ذلك ؛ ولذا اختص بهذا المقام الخطير إمام الأنبياء وسيد المرسلين (صلىاللهعليهوآله) ولعلنا نتعرض لبعض الجوانب في المقامات المناسبة إن شاء الله تعالى.
وأما تفسير المحبة بالإرادة ، كما عن بعض المفسرين فهو خلاف الاستعمالات المتعارفة لأنه يصح أن يقال : «اللهم ومن أرادني بسوء فأرده» ولا يصح ان يقال : اللهم من أحبني بسوء. كما يصح ان يقال : أحببت القرآن