والتبري ، والبرء ، والبراء بمعنى واحد وهو الابتعاد عما يكره مجاورته ، سواء كان في الدنيا أو في الآخرة ، أو فيهما معا ، قال تعالى : (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [سورة يونس ، الآية : ٤١] وقال تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [سورة التوبة ، الآية : ٣]. ويقال في العرف : برئت من المرض.
والاتباع هو اقتفاء الأثر ، سواء في الخير أو الشر ، قال تعالى : (لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٤٢] ، وقال تعالى : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) [سورة يس ، الآية : ٢٠] ، وقال تعالى : (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [سورة النحل ، الآية : ١٢٣].
والمراد بالرؤية هنا ـ كما تقدم ـ هو الانكشاف والمشاهدة بعين اليقين ، لظهور الحقائق وانكشاف الحجب في الآخرة.
والمعنى : ولو يرى الظالمون تبرؤ المتبوعين ـ وهم الرؤساء ـ من الأتّباع حين ما يرون العذاب ويشاهدون أهواله وعلموا بأنّه يصيبهم بما اقترفوه من الآثام وما فعلوه من السيئات باتخاذهم الأنداد والتعدي عن حدود الله تعالى.
قوله تعالى : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ). التقطع الانفصال ، وزوال الأثر المطلوب والأسباب جمع السبب وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الصعود ، والمراد بها هنا تلك الروابط التي كانت بين الظالمين ـ الرؤساء والأتّباع ـ فتشمل رابطة المال ، والجاه ، والعقيدة ، والعشيرة ونحو ذلك من الروابط والأسباب التي اعتقدوها سببا لنجاح مقصودهم.
والجملة كناية عن خيبة آمالهم في الوسائل والروابط حينما يرون العذاب ويدركون أهواله فلا يمكن الاستفادة من تلك الأسباب التي عاشوا بها برهة من الزمن فلا تجديهم نفعا.
والآية تشير إلى غريزة من الغرائز في الإنسان وهي أن متابعة كل فرد للغير إما ان تكون لجلب النفع أو لدفع الضرر فإذا لم يرج ذلك عند انحصار الأمر في الله تعالى يثبت التبري عن الغير ، وهي مثل غريزة دفع الضرر بل الأولى من فروع الأخيرة ولا اختصاص لها بعالم دون عالم فهي قرينة الإنسان