يتمكن من استنباط الأحكام من الأدلة الشرعية ، وأما التقليد والمتابعة في غير ذلك من أمور المعاش كلها ـ كالصنايع والحرف وغيرهما ـ مما ليس فيه منع شرعي فهو صحيح بل قد يجب ان كان من الواجبات النظامية ولم يرد نهي شرعي عنه ، كما انه ليس من متابعة خطوات الشيطان.
بحث اجتماعي :
المتابعة والتقليد هو العمل بما شرعه المتبوع وجعله سواء كان التابع قد قصد المتابعة أو لا. وبعبارة أخرى : المتابعة انطباقية لا أن تكون قصدية ، وهي سنة من سنن الاجتماع الإنساني بل هي من غرائز الإنسان لا سيما في المراحل الأولى من حياته ، ولعلماء الاجتماع في ذلك كلام طويل بل يظهر من بعضهم أنها من أسباب رقي الفرد أو الأمة ، ولم يصل أحد إلى مرتبة الكمال إلّا بفضل المتابعة والتقليد والمحاكاة.
والظاهر أنّ القرآن الكريم لم ينه عن التقليد على النحو الكلي وإنما اعتبر في التقليد الذي يمكن أن يحقق الفائدة للفرد أو المجتمع أمرين.
الأول : أن يكون التقليد عن حق وفي حق فلا يكون إلّا ممن له الكمال والهداية والصلاح قال تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [سورة يونس ، الآية : ٣٥] فإنّ تبعية شخص لشخص آخر لا بد وأن يرى في المتبوع جهة كمال ليستفيد منه في ارتقاء العقل بلا فرق بين ان تكون هذه التبعية شخصية أو نوعية دينية أو دنيوية ويدل على ذلك قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) فجعل المناط في أمر التقليد عقل الآباء واهتداؤهم وقال تعالى : (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [سورة يونس ، الآية : ٨٩] فتكون التبعية حينئذ تبعية العقل والكمال وبالأخرة ترجع إلى تبعية رضوان الله تعالى والأمر الإلهي قال تعالى : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٧] وفي غير ذلك لا تكون إلّا متابعة للنفس الأمارة ومتابعة الهوى التي لا يجتنى منها إلّا الفساد والضلال ويكون مآلها إلى النار