التفسير
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ). الأكل معروف ، والطيّب (بالتشديد) ما تستلذه النفس. وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة إلّا انه لم يرد فيه الطيب (بالتخفيف). وهو في مقابل الخبيث وكل ما نهى عنه الشرع يكون خبيثا واقعيا وإن استلذته النفس ، فما هو في معرض أكل الإنسان على أقسام ثلاثة : الطيبات ، والخبائث ، والمصائب. والمحرمات وإن لم تكن من الخبائث الظاهرية عند النّاس والحلال هو الأول فقط دون الأخيرين.
والأمر هنا استعمل في إنشاء الطلب بداعي الترخيص والإباحة لا بداعي الطلب الحقيقي ، فلا يستفاد منه سوى الإباحة والترخيص لا الوجوب بقرينة قوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٧].
وتوجيه الخطاب للمؤمنين خاصة ، لأنّهم هم المقصودون في تحليل الطيبات وان الغرض الأهم إنما هو انتفاع أهل الإيمان منها ، كما إذا أجرى شخص ماء ليشرب هو وأهله منه وينتفع به في زرعه فتشرب منه الحيوانات ، فالمؤمن هو الغاية وأنه أولى من غيره ، ولذا تكون الطيبات خالصة لهم يوم القيامة قال تعالى : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة الأعراف ، الآية : ٣٢]. أو أنه تعالى خصهم بالذكر تفضيلا.
قوله تعالى : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ). الشكر إظهار نعمة المنعم على نحو من التعظيم اما بالقلب وهو تصور نعمة المنعم ، أو باللسان وهو الثناء عليه ، أو بالجوارح والأركان وهو مكافآت النعمة بقدر الاستحقاق وحينئذ فان كان المنعم غير الله تعالى فالأمر واضح وأما إن كان هو عزوجل فلا أثر للشكر إلّا استكمال الشاكر قال تعالى : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) [سورة النمل ، الآية : ٤٠] فالشكر لله أي شكر نعم الله التي خلقها وأباحها وسهّل الانتفاع منها فانها كلها من فضله ومننه وإحسانه.
والشكر كما يظهر ـ من الآيات والروايات ـ من أجلّ مقامات الإنسان