للعبادة عين منشأ كونه أهلا للشكر لعدم تعدد الحيثيات والجهات في ذاته الأقدس ، فكما انه إله الجميع بالاستحقاق الذاتي كذلك يكون مشكور الكل أيضا ، لانتهاء جميع النعم إليه عزوجل ، فالشكر على نعمائه ملازم لعبادته وهي متوقفة على معرفة المعبود ولو إجمالا ، ومن أهم مقدمات المعرفة وجوب شكر المنعم بل هو أساس العبادة وغاية العبودية ؛ ولذا قدم عزوجل الشكر على العبادة في المقام ، وفي قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [سورة النساء ، الآية : ١٤٧] فالشكر يكون داعيا للعبادة بل هي نفسه في نفوس الأولياء كما قال سيدهم : «ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» وهذا من أدق مباني الفلسفة حيث اجتمع فيه العلة الفاعلية والعلة الغائية والمادية والصورية.
قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ). مادة (ح ر م) تأتي بمعنى المنع ، سواء كان تكليفيا أم غير تكليفي تكوينيا أم قهريا ، قال تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) [سورة المائدة ، الآية : ٧٢] وهو من المنع التكويني لكونه من الجمع بين المتنافيين فلا يجتمع الخبيث من كل جهة مع الطيّب كذلك ، ومن المنع القهري قوله تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) [سورة المائدة ، الآية : ٢٦] والمقام من المنع التكليفي الشرعي.
والحرمة من احدى الأحكام الخمسة التكليفية : وهي الوجوب ، والحرمة ، والإباحة ، والندب ، والكراهة ، وهي ثانية في جمع الشرايع الإلهية على اختلافها بل هي دائرة في الأحكام الوضعية ولو كانت غير سماوية.
والميتة : من الحيوانات ما مات حتف أنفه ، وعن الفقهاء تعميمها إلى كل ما زال روحه بغير تذكية شرعية.
والدم : معروف وبه يحيا الحيوان وتنتظم شؤونه ووظائفه : أو المراد به هنا الدم المسفوح لقوله تعالى : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) [سورة الأنعام ، الآية : ١٤٥].