لأنّ تقدير الضرورة إنّما هو موكول إلى الناس وقليل منهم يقتصرون على قدر الضرورة فلا غناء عن غفران الله تعالى.
بحوث المقام
بحث دلالي :
تتضمن الآيات الشريفة أمورا :
الأول : إنّ الحصر في قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ) حقيقي إذا لوحظت الحرمة بالنسبة إلى خطوات الشيطان وما افتعلوه من المحرمات ، وإضافي بالنسبة إلى الحيوانات بقرينة قوله تعالى : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٧].
الثاني : إنّما أتى سبحانه وتعالى ب (الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) في المقام معرفا وفي غير المقام منكرا كما في قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٤٥] للإشارة إلى حرمتها بجميع المراتب والشؤون بحسب صرف الوجود في ما لا يكون شائعا ، وبحسب الوجود الساري في غير ذلك ، وبحسب نفس وجوداتها وتركيباتها مع ما هو حلال.
الثالث : إنّما ذكر سبحانه في هذه الآية المباركة (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) وترك ذلك في غيرها من الآيات في سائر الموارد ، لأن عدم الإثم في ظرف الاضطرار موافق للقانون العقلي ، فتكفي الإشارة في موضع واحد ، مع أنّ في قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة النحل ، الآية : ١١٥] وفي [سورة المائدة ، الآية : ٣] إشارة إلى ذلك.
الرابع : ذكر سبحانه في المقام : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) وفي غير المقام أخّر الجار والمجرور ، ولعل الاختلاف في التعبير لأجل اختلاف