اشترائهم الضلالة بالهدى ، فيكون ترتب هذا على سابقه من قبيل ترتب المعلول على العلة التامة المنحصرة.
قوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ). (ما) للتعجب والمراد أنّهم فعلوا فعلا يتعجب كل عاقل منهم وانهم كيف يدعون العقل مع أن فعلهم يدل على سفاهتهم وغفلتهم ، وانه لو وقع من أحد مثل هذا الاشتراء في أمور الدنيا لكان دليلا على السفاهة ، فهم أدخلوا أنفسهم في النّار باختيارهم وسلطوا عليهم غضب الجبار فكان صبرهم على العذاب شديدا.
ويصح أن تكون للتعجب من إحاطة النّار بهم كمية وكيفية وسائر الجهات أي : ان فعلهم الذي أوجب دخولهم في النار وأنّ صبرهم على العذاب ما يثير العجب.
ويجوز التعجب على الله تعالى إذا كان بداعي عظمة العقاب وشدته وإلّا فأنّ التعجب الحقيقي لا يجوز بالنسبة إليه عزوجل لأنّه يستلزم الجهل وهو محال عليه تعالى ، ومثل هذا الأسلوب كثير في المحاورات.
كما يصح أن تكون (ما) للاستفهام بداعي شدة العقاب ، أو التوبيخ ، أي أي شيء أصبرهم؟!.
ويحتمل أن يكون المراد من النّار نار جهلهم المركب التي تجعلهم عرضة للفساد والشقاء ، ويؤول أمرهم إلى النار في الآخرة.
والآية تدل على بطلان كل عمل منهم وغضب الله تعالى وسخطه عليهم مع أن لهم اعمالا حسنة لها آثار عظيمة ينتفع منها الناس وليس من سنته عزوجل اضاعة الأعمال الحسنة قال تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [سورة الكهف ، الآية : ٣٠].
ولكن يمكن أن يقال : إنّهم من حيث كفرهم وكتمانهم للحق يدخلون النار لكنهم ينتفعون بأعمالهم الحسنة سواء في الدنيا أو في البرزخ أو في الحشر والنشر أو في تخفيف العذاب بمقتضى قانون ترتب الجزاء على العمل الذي أسسه القرآن الكريم والمؤيد بحكم العقل وتدل عليه أخبار