أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [سورة الأنفال ، الآية : ٧٥] أي في حكم الله ، والأصل في ذلك ان ما يراد تثبيته يجمع في الذهن ابتداء ثم في الإرادة ثانيا ثم يحكم به ثالثا ويكتب رابعا.
ولهذه المادة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة أكثر من مأتين وخمسين موردا.
والمراد من الكتاب في المقام مطلق ما كتبه الله تعالى على عباده ، والقرآن مهيمن على ذلك كله ، فلا فرق بين أن يكون المراد من الكتاب هو القرآن أو جميع الكتب السماوية غير المنسوخة إذا الجميع واحد في الحقيقة وان اختلف في الصور.
وتقدم معنى الحق في آيتي ١٤٤ و ١٤٧ من هذه السورة.
وقد أسس الفلاسفة قاعدة كلية أحكموها ببراهين عقلية وفرعوا عليها أمورا ، وهي : «ان من كان حقا بذاته ومن ذاته يكون حقا من جميع جهاته ، في صفاته وأفعاله ، وجميع شؤونه» فإذا كان المبدأ القيوم حقا في الأزل الذي لا يتصور له أول كذلك يكون في ما لم يزل الذي ليس له آخر شأنا وصفة وفعلا ، وفي كل ما يتعلق به تعالى من الجهات التكوينية والتشريعية.
ومن فروع هذه القاعدة التلازم بين المبدأ والمعاد في كل ما يتعلق بشؤون العباد سيأتي في الموضع المناسب شرحها مفصلا.
وللمفسرين في اعراب محل (ذلك) في قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ) أقوال :
منها : الرفع على أنّه مبتدأ خبره محذوف ، أي ذلك الشأن.
ومنها : أنّه خبر لمبتدأ محذوف أي الشأن ذلك.
ومنها : النصب بفعل مقدر رأي : جعلنا ذلك ، وكل واحد منها صحيح بعد عدم ثبوت الترجيح في البين.