بحوث المقام
بحث دلالي :
يستفاد من الآية المباركة أمور :
الأول : تقدم أنّ في قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) فيه من روعة الأسلوب وبلاغته ما لا يخفى ، فانه يخرج الكلام من الفرض والتقدير إلى الوقوع ، فكأن البر هو الإيمان وما ذكرت في الآية من الصفات والأعمال باعتبار تمثلها في الشخص وهذا أبلغ تأثيرا في النفس من اسناد المعنى إلى المعنى ، والغرض من ذلك هو الإشارة إلى تحققها والإحتجاج بمن تلبس بها ، لا مجرد المقابلة بين البر وتولية الوجه ومن لم يكن متلبسا به.
الثاني : يستفاد من الآية الشريفة تحقق من عمل بها لكونها في مقام الإحتجاج ولا ريب في أن أكمل فرد وأجلى مصداق من اجتمعت فيه هذه الخصال الأنبياء خصوصا سيدهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومن يتلو تلوه الذي نزله رسول الله (صلىاللهعليهوآله) منزلة نفسه فقال «علي مني بمنزلة هارون من موسى» على ما رواه الفريقان ، مع أنا قد اثبتنا في محله انه لا يمكن ان تخلو الأرض من حجة لله قائمة.
الثالث : أنّ الشرط في قوله تعالى : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) إشارة إلى شمول العهد للعهود المتقومة بالإثنين أو العهد القائم بشخص واحد. وفيه من التعريض إلى من يخالف العهد وخروجه عن مقتضى الفطرة ما لا يخفى.
الرابع : أنّ النفي والإثبات دليل الحصر كما هو الثابت في العلوم الأدبية ، والآية الكريمة تنفي البر مطلقا بنفي أبرز جهاته وأظهر آثاره وهو تولّي الوجه قبل المشرق والمغرب وتثبته في المذكورات فلا بر مطلقا إلّا في ما تضمنته وهي كمالات فردية ، واجتماعية ، دنيوية ، واخروية وهي الصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه وغيرها من السبل التي أمرنا بالابتعاد عنها.
الخامس : إنّما قدم سبحانه وتعالى الإيمان بالله لأنه رأس كل