الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٣].
العاشر : إنّ الإيمان الصحيح هو ما يجلب لصاحبه سعادة الدارين وما أعده الله تعالى للمؤمنين من المنازل والدرجات وهي مذكورة في آيات كثيرة.
وأجمع آية تشتمل على كثير مما ذكرناه في الإيمان المطلوب هي الآية التي سبق تفسيرها ، فإنها تبين المراد من الإيمان ، وأنّه الداعي لإتيان الأعمال الصالحات ، والباعث لتهذيب النفس وتزيينها بالأخلاق الفاضلة الموجب كل ذلك لكون المتصف بها من الصديقين والمتقين ، فللإيمان كمال ونقص ، والكامل منه ما ذكرناه.
بحث أخلاقي :
الآية الشريفة التي تقدم تفسيرها هي من أجمع الآيات القرآنية لصنوف البر والأخلاق الفاضلة ، وهي بانضمام آيات أخرى من القرآن الكريم تبين مفهوم الأخلاق في الإسلام ، فان له نظرا خاصا فيه يخالف سائر المذاهب الأخلاقية ، ولكنه في ذاته يعتبر امتدادا لسائر الاتجاهات الأخلاقية الصحيحة.
وبتعبير آخر : إنّه يكون تركيبا لتراكيب ، فهو يشتمل على روح التوفيق لشتى النزعات في المذاهب الأخلاقية الأخرى ، فهو واقعي ومثالي ، ومحافظ ، وتقدمي ، وتطوري ، وعقلي ، وصوفي ، ومتحرر ، ونظامي ، كما انه يلبّي جميع المطالب الفردية والاجتماعية ، الشرعية والأخلاقية. ولا يمكن الإلمام بجوانب هذا المفهوم القرآني للأخلاق إلّا بعد معرفة النظريات الأخرى ولو على سبيل الإيجاز ثم الحكم بأفضليته وأكمليته من الجميع.
المذاهب الأخلاقية :
يختلف العلماء والباحثون في علم الأخلاق النظري في تقسيم المذاهب الأخلاقية المتعددة بين مفصل لها بتعداد سائر الاتجاهات ، وبين مجمل لها بذكر أصولها ، والسبب في ذلك أن طائفة منهم ربطت المذاهب الأخلاقية بالمذاهب الفلسفية في المعرفة الإنسانية من الواقعية والمثالية ،