ولكل واحدة من هذه القوى الثلاث آثارها وخصائصها ، وهي متباينة في صفاتها وذواتها ، ولكن من اجتماعها ينشأ الإنسان المفكر الدراك ، وباتحادها تنشأ وحدة تركيبية تصدر منها أفعال خاصة ، وبها يبلغ الإنسان إلى سعادته التي خلق لأجلها ، ووظيفته هي أن يحافظ على هذه الوحدة التركيبية ، وان لا تخرج قوة من هذه القوى الثلاث عن حد الاعتدال إلى حدي الإفراط أو التفريط ، وإنّ بذلك يصل إلى الغاية المرجوة من خلقه وهي السعادة الفردية والنوعية في الدنيا والآخرة ولأجل ذلك كان الإنسان أخلاقيا دون سائر الكائنات الحية.
وعلم الأخلاق يبحث عن كيفية المحافظة على الحد الوسط التي هي الفضيلة والاجتناب عن طرفي الإفراط والتفريط اللذين هما الرذائل ، لتصدر منه أفعال يصل بها إلى السعادة المرجوة.
الاعتدال في الأخلاق :
ذكرنا أنّ وظيفة الإنسان ـ ككائن أخلاقي ـ هي المحافظة على حد الاعتدال لكل واحدة من القوى الثلاث المتقدمة. والمراد بحد الاعتدال ـ هو الوسط الأخلاقي ـ أي استعمال كل قوة على ما ينبغي ليجلب بها السعادة.
وقد جعل العلماء حد الاعتدال في القوة الشهوية هي العفة ، والجانبين ـ الإفراط والتفريط ـ الشره ، والخمول. وفي القوة الغضبية الشجاعة والجانبين التهور ، والجبن. وفي القوة الفكرية الحكمة والجانبين الجربزة ، والبلادة.
ثم قالوا إنّ في اجتماع تلك الملكات في النفس تحصل ملكة رابعة وهي العدالة والمراد بها هي وضع كل شيء موضعه الذي ينبغي له ، وبها يمكن الإنسان ان يحافظ على حد الاعتدال في القوى الثلاث ، فيخرج عن الظلم والانظلام.
وهذه الأربعة هي أصول الأخلاق الفاضلة تكون نسبتها إليها كنسبة الجنس إلى النوع ، وهي كثيرة ـ كالجود والسخاء والقناعة والشكر والصبر ونحو ذلك كما هو مفصّل في كتب الأخلاق.