وهذا هو التقسيم الشايع بين علماء الأخلاق منذ عصر أرسطو ، وهو لا يخلو عن المناقشة ، ولكن الأمر سهل بعد أن كان ذلك لأجل تصنيف الفضائل والرذائل والتمييز بينها.
إلّا أنّ للقرآن نظرية خاصة في الوسط تغاير النظريات الأخرى فقد اعتمد القرآن على التقوى التي ورد ذكرها فيه أكثر من مأتين وخمسين مرة ، قال تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [سورة الشمس ، الآية : ٨] واعتبرها محور الكمالات الإنسانية ومعيار الفضائل ، قال تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٩] ، وقال تعالى : (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) [سورة النمل ، الآية : ٥٣] ، وقال تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [سورة المائدة ، الآية : ٢٧] ، وقال تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٠٢] ، وقال تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) البقرة ، الآية : ١٩٧] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [سورة التوبة ، الآية : ٧] ، وقال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [سورة التوبة ، الآية : ١٢٣].
والمراد من التقوى في نظر القرآن : هي الجهد المحمود ـ الحاصل من الفرد ـ المتواصل في خدمة التكليف في جميع نشاطاته وعلاقاته مع نفسه ، ومع ربه ، والناس أجمعين ، وهذا هو المراد مما ورد في النصوص الكثيرة بأنها «إتيان الواجبات وترك المحرمات».
وتظهر أهمية هذا الملاك عن نظرية «الوسط العادل» أي : تجنب الإفراط والتفريط في أنّه يربط بين العمل والنية ، فلا يمكن التفكيك بينهما ، فيعتبر العمل بلا نية لا قيمة له ، كما أنّ النية الخالية عن أي عمل لا ثمرة لها ، كما يظهر ذلك بوضوح من الآيات التي تقارن بين التقوى والعمل الصالح ، كما تقدم. قال تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) [سورة الشعراء ، الآية : ١١٠].
كما أنّ بالتقوى يصير الإنسان بارا ويصبح من الصديقين ، وإنّ بها يتهيّأ لقبول الملكات الفاضلة ويحدد سلوكه الأخلاقي ، وبها يصير الإنسان عادلا