موفقا بين رغباته وأحاسيسه وعواطفه ، فهي المقياس الحسي للفضائل يسهل معرفته لكل أحد ويسلم عن الخطأ والالتباس من دون أن يقع في متاهات النظرية الوسطية القديمة ؛ وهي العلة الغائية في السلوك الأخلاقي والعلة الفاعلية لاكتساب الفضائل وإزالة الرذائل. وأخيرا هي القاعدة العامة التي يمكن التوفيق بها بين سائر التكاليف ويجلب بها الكمال ، والدين الذي أمرنا باتباعه. وبها صارت هذه الأمة وسطا في جميع الشؤون. نعم لها مراتب ، كما تقدم سابقا ، ويأتي بيانها مفصلا.
طرق اكتساب الأخلاق الفاضلة :
ذكرنا أنّ الأساس الذي يبتني عليه الأخلاق في القرآن هو التقوى فإنّها الطريق إلى التخلق بالأخلاق الفاضلة واكتساب الفضائل وإزالة الرذائل ، وتقدم أنّ التقوى هي الجهد التواصل من الفرد ، فلا تتحقق إلّا بالتواصل والعمل الدؤوب وتكرار الأعمال الصالحة لتتمكن الأخلاق الفاضلة في النفس ويتعذر إزالتها. وفي التقوى يرتبط العمل بالنية فكل ما كانت النية خالصة لله تعالى خالية عن الأغراض الدنيوية ازدادت قيمة العمل وقرب إلى القبول وصلح للجزاء الأوفى.
بل يعتبر القرآن أنّ الغايات المرجوة من الأعمال سواء كانت لجلب النفع ، أو لدفع الضرر هي نقص في مقابل الكمال المطلق ، قال تعالى : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [سورة يونس ، الآية : ٦٥] ، وقال تعالى : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩٧] ، وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تحصر الكمال فيه عزوجل. ولهذا الأمر أثر كبير في النفس حيث يجعل العمل خالصا لوجه الله منزها عن كل غاية من غير الله تعالى ، وأنّ الغاية هي الله تعالى والتخلق بأخلاقه ، وهذا مسلك جديد لم يكن معروفا من قبل نزول القرآن ويختلف عن سائر المسالك المتّبعة في تهذيب النفس بوجهين :
الأول : أنّ في هذا المسلك يعد الإنسان إعدادا علميا وعمليا لقبول الأخلاق الفاضلة والمعارف الإلهية بحيث لا يبقى مجال للرذائل ، وفيه تختلف