التفسير
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). تقدم الكلام في مثل هذا لخطاب في آيتي ١٠٤ و ١٥٣. وكتابة هذا التشريع على المؤمنين لأجل الشرف لا يدل على نفيه عن غيرهم.
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى). الأصل في مادة (كتب) هو الجمع والتثبت في جميع موارد استعمالاتها ، سواء لوحظ ذلك بالنسبة إلى علم الله تعالى ، أو اللوح المحفوظ أو الكتب النازلة من السماء. أو الإيجاب على العباد ـ تكليفا أو وضعا ـ أو التحقق العيني الخارجي ، فالكل كتاب ، والجميع يدل على الثبوت والدوام ، والتحفظ. والمراد به في المقام هو الفرض والإيجاب.
ومادة (ق ص ص) تأتي بمعنى تتبع الأثر ، وحيث إنّ وليّ المقتول ، يتبع أثر القاتل ليأخذ منه جريمة ما فعله ، وكذا المجروح يتبع أثر الجارح كذلك ، يقال له القصاص.
ومنه القصة والقصّاص ، لأنه فيها تتبع أثر ما وقع في الخارج كما أن منه القاص لأنه يتبع الآثار والأخبار.
والمراد بالقصاص شرعا هو أخذ الجاني بمثل جنايته إن أراد وليّ المقتول ذلك ، وهو مطلق لا بد من تقييده بما إذا كانت الجناية عمدية ، لخروج الجناية الخطأية عن تحت هذه الآية بقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) [سورة النساء ، الآية : ٩٢].
والآية تبين أصل تشريع القصاص ؛ وقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) يبين حكمة هذا التشريع.
وفي الآية إشعار بأنّه لا بد من التساوي بين المقتول ومن يراد القصاص منه ، وأنه لا بد من العدل في القصاص وملاحظة المثلية. وفي ذلك رد على ما كان يفعل في الجاهلية من المغالاة في سفك الدماء وقتل الأبرياء