وفي الآية من البلاغة ما لا يخفى وفيها إشارة إلى بيان ذكر المثلية إجمالا.
قوله تعالى : (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى). كان في أهل الجاهلية بغي وحمية وكانت القبائل تتحكم بحسب القوة والمنعة ، فان قتل من حي أهل منعة وعز أحد لا بد لهم من الاقتصاص وكانوا لا يكتفون من القاتل فقط ، وإذا قتل منهم أنثى لا يقتصون من أنثى مثلها بل يقتصون من الذكر. وقد أنكر الشارع هذه العادة وحكم بالمساواة بين القاتل والمقتول فإذا كان القاتل أنثى فلا بد وان يقتص منها لا من غيرها ، وفيها بيان للمثلية أيضا أي الحرة بالحرة والأمة بالأمة.
قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ). بعد ان ذكر وجوب القصاص وأنّه أساس العدل في الجنايات ، وأنّه الأصل في ردع الجاني من الاستمرار في الجناية بيّن هنا جواز العفو بل رجحانه وهو تعالى ينظر إلى الجانب الأخلاقي في هذا التشريع ويعطي أهمية خاصة إلى التراحم والتعاطف بين أفراد البشر في ظرف تسيطر على النفس الغرائز الدفينة والعادات السيئة الموروثة من الجاهلية ، فكان هذا التشريع موفقا في الجمع بين الجانب العاطفي في الإنسان والجانب الغريزي والشهودي فيه.
ومادة عفو تأتي بمعنى المحو والزوال ونفي الأثر ، والتجافي عن الذنب ، ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم ، قال تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٩٩] ، وقال تعالى : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) [سورة المائدة ، الآية : ٩٥] ، وقال تعالى : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) [سورة الشورى ، الآية : ٢٥].
والعفوّ ـ بالتشديد ـ من أسماء الله الحسنى ، وفي بعض الدعوات : «اللهم إنّي أسألك العفو والعافية والمعافاة». والأول محو الذنب ، والثاني الصحة من الأسقام والأمراض ، والأخير الحفظ عن أن يظلم أحدا أو أن يظلمه أحد.
والفرق بين العفو والغفران أنّ الثاني يختص استعماله بالله تعالى غالبا