بذلك.
والمعنى : أنّ في القصاص المذكور الحياة للفرد والمجتمع ، أما بالنسبة إلى المجتمع فإنّه أحسن رادع عن الإقدام على قتل النفوس ، إنّ فيه حفظ النّاس عن اعتداء بعضهم على بعض ، وأما بالنسبة إلى الفرد فإنّ فيه حفظ من يريد الجناية فإذا علم بالقصاص يرتدع عنه ، وبذلك يحفظ نفسه ومن أراد قتله ولو فعله كان ذلك عبرة لغيره ممن يريد الإقدام على ذلك ، ففي القصاص حياة الناس والأفراد بل فيه تسلية لولي المقتول حيث يخفف عنه لوعة المصاب ، فكانت الغاية من القصاص وما يجتنى من عواقبه حميدة يعرفها كل من اعطي حق التأمل في هذا الحكم.
قوله تعالى : (يا أُولِي الْأَلْبابِ). الألباب جمع اللب ، وهو العقل الخالص عن الشوائب ، لأنّ لب الشيء خالصه وصفوته ، ولذا جعل الله تعالى أولي الألباب. مورد خطابه وعنايته في جملة كثيرة من الآيات القرآنية ، لأنّ ذا اللب هو الذي يعرف حقائق الأشياء وموازينها ، وآثارها وما يترتب عليها. قال تعالى : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩٧] ، وقال تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) [سورة الزمر ، الآية : ٩] ، وقال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) [سورة الزمر ، الآية : ٢١] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
وقد فسر سبحانه اللب في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) [سورة الزمر ، الآية : ١٨].
ولم يرد لفظ اللب مفردا في القرآن الكريم كما لم يرد لفظ العقل كذلك. والمتأمل في الآيات المتضمنة لذكر أولى الألباب يعلم أنها وردت في مدحهم بخلاف العقل فإنّه ليس كذلك ، قال تعالى : (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٦٧] ، وقال تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة النور ، الآية : ٦١].
ولعل السر في عدم ورود المفرد لهذين اللفظين الإشارة إلى أنّهما من