بحوث المقام
بحث أدبي :
أنّ قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) أبلغ آية في القرآن الكريم وأفصحها وهي في إيجازها قد ارتقت سماء الإعجاز لما اشتملت على فنون البلاغة والإيجاز وجمعت بين قوة الاستدلال وبراعة اللفظ ؛ فتحدت فرسان الفصاحة والبيان ، وقد أفادت حكما لم يكن من قبل معروفا في أسلوب رصين وعذوبة في الألفاظ وتضمنت من الفوائد والحكم في تنظيم النظام ما لا يبلغ به عقول الأنام ، واشتملت على أنحاء من البلاغة ما لا يوجد في أي أثر منقول عن العرب ونحن نذكر بعضا منها :
الأول : الطباق بين القصاص والحياة فإنّ الأول يفوّت الثاني فهو في مقابلها.
الثاني : فصاحتها في تلائم الألفاظ وعذوبتها وسلامتها ورصانتها في الأسلوب ، والإيجاز في العبارة فقد جمعت بين جمال اللفظ وسموّ المعنى.
الثالث : اشتمالها على جعل الضد متضمنا لضده أي الحياة في الاماتة.
الرابع : تعريف القصاص بلام الجنس ليشمل كل أنواع القصاص من القتل والجرح والضرب.
الخامس : تنكير الحياة للإشعار بأنّ في الحكم حياة عظيمة لا يمكن الاستهانة بها ، او لأجل أنّ القصاص لم يكن سببا لمطلق الحياة بل لنوع من أنواعها فيكون التنوين فيها إما لأجل التعظيم أو لأجل التنويع.
السادس : جعل القصاص ظرفا للحياة ، لبيان أنّ القصاص يحمي الحياة من الآفات ، وهذا من غرائب الحكم.
السابع : تقرير أنّ الحياة هي المطلوبة وأنّ القصاص وسيلة إليها وهذا من أسمى الحكم في جعل هذا التشريع.
الثامن : الإطراد في أنّ كل قصاص حياة.