وأخيرا إنّ تبديل هذه العقوبة إلى عقوبة أخرى أنفع للمجتمع وللفرد ، فإنّه يسأل منهم هل كانت هذه العقوبات ناجحة في ذلك؟! وهل رفعت الفساد الأخلاقي؟!! وهل كان الحبس مطلقا ناجحا في رفع المشكلات وتقويض الجنايات؟! مع أنّ الملاحظ يعترف أنّه قد أدى تطبيق هذه العقوبة إلى نتائج خطيرة وجلبت مشاكل دقيقة :
منها : قتل الشعور بالمسؤولية في نفوس المجرمين ، وأنّها سببت زيادة في سلطان المجرمين وإفسادا للمسجونين ، وأوجبت انعدام قوة الردع إلى غير ذلك من المشاكل ، وبعد ذلك كله فهل يمكن الاستفادة من المجرمين؟!
ولعمري انه لا يمكن تفضيل أي قانون على القانون الإسلامي لما عرفت من أنه يراعى فيه جميع جوانب الحياة ، وما أورد عليه يكون من قبيل الشبهة في البديهيات ، قال تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [سورة الحج ، الآية : ٤٦].
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢))
الآية تبين حكما قد لوحظ فيه الجانب المادي والاجتماعي ، ولذا أكد عزوجل عليه ، وأوعد على من يبدله ، وأمر بإصلاحه إن كان فيه الانحراف ، ويناسب هذا الحكم ما تقدم في الآيات السابقة باعتبار أنّ القصاص يوجب إزهاق الروح ، وإنّ الوصية توجب استمرارية التصرف لما بعد الموت.
التفسير
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ). المراد بالكتابة هنا الثبوت الشرعي ، وهو أعم من الوجوب والندب وتستعمل في كل منهما مع