التفسير
قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ). مادة (رفع) تستعمل فيما يشتمل على العلو نقيض الخفض ، وتختلف باختلاف المتعلق اختلافا كثيرا ، كما تختلف موارد استعمالاتها بين الجواهر والأعراض والصفات والشؤون والاعتباريات قال تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) [سورة الرحمن ، الآية : ٥٧] ، وقال تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [سورة الإنشراح ، الآية : ٤] ، وقال جلّ شأنه : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر ، الآية : ١٠] وقال تعالى : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) [سورة غافر ، الآية : ١٥] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
والقواعد جمع القاعدة وهي تأتي بمعنى الثبوت والاستقرار في مقابل الحركة ، وسمي أساس البيت والبناء قاعدة لثباته واستقراره قال تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [سورة النحل ، الآية : ٢٦] وسميت القاعدة العلمية قاعدة لثباتها وتفرع مسائل عليها. ورفع القواعد هو البناء عليها.
ويحتمل أن يراد بالبيت والقواعد والرفع المذكور في الآية المباركة المعنى الأعم من رفع البيت الجسماني وقواعده ورفع بيت النبوة والتشريعات السماوية فإن أساسها من إبراهيم (عليهالسلام).
وفي الآية المباركة تلميح إلى أن رفع البيت وبناءه كان من إبراهيم (عليهالسلام) لنسبة الرفع إليه وحده وأنّ إسماعيل كان يساعده ويعمل له.
قوله تعالى : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تقدم معنى الرب في قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) [سورة الحمد ، الآية : ٢] وقد ذكرنا هناك أنّ في هذا الاسم المبارك مزية لا توجد في غيره من الأسماء المقدسة ، ولذا لا يكون دعاء في القرآن ـ خصوصا دعوات هذا النبي العظيم ـ إلّا وهو مبدوّ بهذا الاسم : والقبول من المفاهيم المبينة عند العرف ، وله مراتب وهو (عليهالسلام) يطلب جميعها حتّى جنّة اللقاء التي هي أرفع المقامات المعنوية.
والسمع إذا استعمل في الإنسان فهو إدراك خاص بقوة خاصة في مقابل