قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) إشارة إلى أن الباني هو إبراهيم (عليهالسلام) وإسماعيل تبع له فهو كالعامل لديه ، كما عرفت سابقا.
بحث روائي :
في الكافي عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «إنّ الله تعالى أمر إبراهيم ببناء الكعبة وأن يرفع قواعدها ويري النّاس مناسكهم فبنى إبراهيم وإسماعيل (عليهماالسلام) البيت كل يوم سافا حتّى انتهى إلى موضع الحجر الأسود. قال أبو جعفر (عليهالسلام) : فنادى أبو قبيس إنّ لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه».
أقول : إنّ نداء أبي قبيس لإبراهيم (عليهالسلام) ليس من قبيل النداءات الظاهرية المسموعة بكل سمع بل هو من سنخ الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلّا المرتبطون بعالم الغيب وذلك لا ينافي الروايات الكثيرة الدالة على أن الحجر نزل من الجنّة ، إذ من الممكن أنه قد وضع في جبل أبي قبيس بعد الخروج من الجنّة.
وفي تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليهالسلام) : «نزلت ثلاثة أحجار من الجنّة : الحجر الأسود استودعه إبراهيم ، ومقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل. قال أبو جعفر (عليهالسلام) : إن الله استودع إبراهيم الحجر الأبيض وكان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم».
أقول : لا تنافي بين كون الحجر مستودعا عند إبراهيم (عليهالسلام) ومستودعا في جبل أبي قبيس كما في الحديث السابق ، لإمكان تعدد محال الاستيداع حسب أهمية الوديعة والمصالح المقتضية لذلك.
وفي بعض الأخبار إنّ الله تعالى أنزل قواعد البيت من الجنّة.
أقول : يمكن أن يراد من الجنّة جنة الآخرة ، وكانت الأحجار فيها من عالمها فلما نزلت إلى الدنيا تمثلت تلك القواعد بصورة الأحجار لأجل تبدل عالمها بعالم الماديات ، كما في تصور جبرئيل بصورة الإنسان ـ كدحية الكلبي ـ وكما في قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ