صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) [سورة غافر ، الآية : ٤٠]. وأن الصالح في مصاف الأنبياء الصديقين والشهداء قال تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [سورة النساء ، الآية : ٦٩] وتلك الآثار المذكورة في الآيات المباركة إنما تترتب إذا كان الصلاح منبعثا عن الذات بحيث تكون الذات مقتضية له. وذلك في ما إذا ارتسم من مواظبة الأعمال الصالحة بحيث حدثت ملكة في النفس من ارتكاب تلك الأعمال ، لأن بين النفس والأعمال نحو تلازم في الجملة ربما تؤثر النفس في الأعمال على نحو الاقتضاء. كما انه ربما تؤثر في النفس كذلك ـ كما ثبت في الفلسفة العملية ـ فالله تعالى لا يدعو إلّا إلى العمل الصالح وكذلك يكون شأن رسله وأنبيائه (عليهمالسلام) فإنهم لا يدعون إلّا إليه قولا وعملا فهم الصالحون في الدنيا والآخرة. وبالعمل الصالح يدرك مراتب الجنان كما أن به تخمد لهب النيران ويرتقي الإنسان إلى ذروة محبة الرحمن ؛ قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) [سورة مريم ، الآية : ٩٦] ولو أردنا أن نعدد ما ورد في الكتاب في فضل العمل الصالح وفضائل الصالحين والصالحات لطال البحث وصار كتابا مستقلا ، ولعلنا نذكر بعض ذلك في الآيات المباركة المناسبة لها في مستقبل الكلام.
قوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ). الظرف متعلق بالاصطفاء والجملة لبيان العلة لحصول الاصطفاء والصلاح. والمراد بالقول هنا تلك الدعوة الحاصلة من الإشراقات المعنوية والإفاضات على قلب ابراهيم (عليهالسلام) حسب مقتضيات الأحوال والخصوصيات والتي تنبئ عن كمال الخلة الواقعية بينهما ، وليس المراد به القول الظاهري الواقع في زمان خاص حتّى يبحث عن وقته كما عن جمع من المفسرين لأن المراد بالقول ما هو المبرز للمراد الواقعي ، ولا ريب في أن تلك الإشراقات أقوى واظهر فيه من مجرد القول ؛ ويمكن أن يكون المراد به القول الظاهري كما في جميع أقواله بالنسبة إلى أنبيائه (عليهمالسلام).