قوله تعالى : (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ). تقدم معنى ، الإسلام ، كما تقدم تفسير (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) في سورة الحمد ، ويستفاد من قوله (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أنّ إسلامه معه في جميع العوالم التي يمر عليها. وفي الالتفات في الآية الشريفة من التكلم إلى الغيبة ثم من الخطاب إلى الغيبة إشارة إلى كمال الموافقة بين الخليلين ، فتارة يتكلم مع خليله بالحضور شوقا إلى اللقاء ، ويلتفت إلى الغيبة خوفا من المحو والفناء. وفي ابتهالات المعصومين (عليهمالسلام) وتضرعاتهم مع الرب من ذلك شيء كثير.
قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ). مادة (وص ي) تأتي بمعنى الوصل والعهد ، لأن الموصي يعهد بشيء في ما بعد موته ، ويوصل تصرفاته وأعماله في زمان حياته ببعد وفاته أيضا ، والضمير في «بها» يرجع إلى الملة المشتملة على الإسلام ، وكلمة الإخلاص أيضا المذكورة في قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) وهي الكلمة الباقية التي جعلها في عقبه كما قال تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [سورة الزخرف ، الآية : ٢٨]. ويعقوب عطف على إبراهيم أي : ووصى بها يعقوب أيضا. وفي ذلك إشارة إلى كثرة اهتمام إبراهيم وحفيده يعقوب بحقوق الله تعالى وحرماته حتّى أنهما أوصيا بذلك ، بل يدل على أهمية الموصى به والاعتناء به ، وأنه كالوديعة في أيديهم يجب أن تحفظ في أعقابهم ، وهذا هو شأن جميع أنبياء الله وأوليائه في حفظ ودايع الله وأسراره ، ووصية لقمان مذكورة في القرآن ، ووصية علي (عليهالسلام) لابنه الحسن (عليهالسلام) معروفة في كتب الأحاديث.
قوله تعالى : (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ). هذا مقول قول كل منهما لا خصوص قول يعقوب كما يظهر من بعض التفاسير ، فإنهما قالا لبنيهما في مقام التوصية والتحريض إلى اتباع الملة الحنيفية. والمراد من الدين هو دين الحنيفية والإسلام الذي اختاره الله لهم خالصا عن كل عيب ودنس. والمراد من البنين هم الأولاد الأعم من الذكور والإناث.
قوله تعالى : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). كناية عن اتباعه