حق الإتباع ، وعدم المفارقة عنه في وقت من الأوقات فيغتنم الشيطان ذلك فيردهم عن الملة الحنيفية ودين الإسلام فيموتوا غير مسلمين. وفي الكلام إيجاز بليغ.
قوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ). أم تأتي للاضراب ، وانتقال الكلام إلى الاستفهام الذي هو بمعنى الجحود والإنكار جيء به كذلك ، لأنه أبلغ في الإلزام والإحتجاج. والشهداء جمع شهيد وهو بمعنى الحضور. والخطاب لأهل الكتاب إنكارا عليهم حيث زعموا أن إبراهيم ويعقوب (عليهماالسلام) كانا على ملتهم كما حكى سبحانه عنهم ، قال تعالى (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٠] وقد أبطل الله تعالى حجتهم بأنه إن كان بدعوى حضورهم عند موت يعقوب ووصيته فهذه يبطلها الحس والوجدان ، وإن كان لأجل وصوله إليهم من التوراة والإنجيل فما أنزلت التوراة والإنجيل إلّا من بعده ، فاليهودية والنصرانية حدثتا من بعده بقرون. وإن كان لأجل أمر آخر ، فهو مردود عليهم. ولا يتطرق احتمال أن يدع إبراهيم (عليهالسلام) الملة الحنيفية ويوصي باليهودية والنصرانية.
قوله تعالى : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي). أي سألهم ليقروا على أنفسهم بالتوحيد الخالص بعد نبذ معبودات أهل الشرك والضلال. وإنّما أتى بلفظ (ما) تعميما للمعبودات من ذوي العقول وغيرهم.
قوله تعالى : (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ). تقدم معنى العبادة في سورة الحمد ، والإله يأتي بمعنى التحير ، وقد قال علي (عليهالسلام) فيه «كلّ دون صفاته تحبير الصفات ، وضل هناك تصاريف اللغات» وتصاريف اللغات أي تحسينها وتزيينها ، وفيه إسقاط لكل ما يقال في حقيقة صفاته عزوجل فضلا عما يتوهم في حقيقة ذاته تعالى وتقدس. والمراد بالإله هنا هو المعبود بقرينة صدر الآية المباركة وذيلها.