والمعنى : إنّ إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وبنيه جماعة مضت وذهبت لها أعمالها التي تجزى بها ولكم أعمالكم التي تجزون بها فلا يسئل أحد الا عن كسبه وعمله ، لأن التكليف واستكمال النفس فردي كما أن الجزاء عليه أيضا كذلك هذا بالنسبة إلى ذات العمل المتقوم بذات العامل فقط. وأما بالنسبة إلى سائر الجهات فالأنبياء يسئلون عن الإبلاغ وإتمام الحجة على أممهم ، كما أن النّاس يسئلون عن الاقتداء بأنبيائهم وأئمتهم والتخلق بأخلاقهم كما يسئلون عن الحقوق الاجتماعية الدائرة بينهم ، ففي الحديث عن الصادق (عليهالسلام) : «إن المؤمن يدع من حق أخيه شيئا فيسأل عنه يوم القيامة» فالآية المباركة أصلا وعكسا من القواعد العقلية المقررة في الشرايع الإلهية في التكاليف الفردية حيث أنها قائمة بالأفراد ولا تتعداهم الى غيرهم ، بل تحميل فرد تكليف آخر من الظلم القبيح ؛ قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦٤].
وذكر هذه الآية بعد الآيات السابقة بمنزلة النتيجة لها وبيان أن المناط كله على العمل دون غيره. كما عقّب سبحانه وتعالى الإيمان في جملة كثيرة من الآيات الشريفة بالعمل الصالح ، فلا يكفي في كمال النفس الاعتماد على صلاح الآباء ومنزلتهم عند الله تعالى ، بل لا بد أن يكون الإنسان صالحا في نفسه.
بحوث المقام
بحث دلالي :
يستفاد من الآيات المباركة أمور :
الأول : إطلاق الآية الشريفة في صلاح إبراهيم (عليهالسلام) يدل على انه صالح من كل جهة فهو صالح في نفسه وصالح لغيره ، فيكون المصداق الحقيقي لقول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «من أصلح ما بينه وبين الله تعالى أصلح الله ما بينه وبين الناس»
الثاني : في قوله تعالى : (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) إشارة إلى أن إسلام