كانت بمنزلة المادة لجميع الأديان الإلهية الكبرى ـ اليهودية والنصرانية والإسلام ـ مع أنه (عليهالسلام) يعتبر مؤسس حركة التوحيد في العالم ، وبه ابتدأت الشرايع الإلهية. وأما شرايع من قبله من الأنبياء فلم تكن لها تلك الأهمية التي جعلها الله لملة إبراهيم ، ولذلك كانت ملته الملة الحنيفية الجامعة للمعارف الإلهية والكاملة في التوحيد ونفي الشرك. والارتقاء في معارج الكمال ، وقد أنزلها تبارك وتعالى حسب المصالح ومقتضيات الظروف حتّى انتهى الأمر إلى الإسلام الدين الجامع لجميع الكمالات والمشتمل على أقصى المعارف الإلهية.
ومن ذلك يعرف أن اختلاف المفسرين في معنى الحنيف وبيان المأخذ لا وجه له ، بل هو اختلاف مصداقي. والجامع هو الصحة والتمامية والسهولة وعدم الضيق والحرج.
وإنما ذكر سبحانه إبراهيم (عليهالسلام) وأمرهم باتباع ملته لأنه لا ينازع أحد من أهل الكتاب في أنه كان مهتديا ، بل يعتبر إمام المهتدين ، فإذا كان ادعاء كل واحد منهم صحيحا لكان إبراهيم (عليهالسلام) غير مهتد ، وهم لا يقبلونه.
ومن ذلك يستفاد أن الهداية منحصرة في اتباع ملة إبراهيم (عليهالسلام) ، وأن موسى وعيسى (عليهماالسلام) أيضا كانا متبعين لملته لأنها الدين الحنيف القائم على الصراط المستقيم ، والمبني على التوحيد والإخلاص ونفي الشرك ، والحق أحق أن يتبع.
قوله تعالى : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). أي لم يكن إبراهيم من المشركين بالله تعالى. وفيه إشارة إلى اختلاط اليهودية والنصرانية المخترعتين لنوع من الشرك والتناقض على ما يأتي تفصيله.
قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ). الأسباط جمع سبط وهو بمعنى الانبساط في سهولة ، وسمي ولد الولد سبطا لانبساطه وتفرعه من الجد. ومنه