مراتبهم العالية بالاختبار والامتحان ، وأن إبراهيم (عليهالسلام) قد خرج عن هذا الابتلاء والامتحان بأحسن وجه ، وبأن فضله وكماله بإتمام ما كلفه الله سبحانه وتعالى به.
قوله تعالى : (بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ). الكلمات جمع كلمة. تظلق على الأثر الحاصل غالبا للسمع أو البصر. فمن الأول عامة الكلمات الشايعة المستعملة. ومن الثاني الجرح المحسوس بالبصر ، فالألفاظ المسموعة كلمات والمعاني التي تحتها كلمات أيضا ، لمكان الاتحاد بينهما في الجملة من هذه الجهة. كما أن المعاني كلمات الله تعالى من حيث دلالتها عليه سبحانه ومظهريتها له تعالى ، سواء وجدت بالوحي ، أم الإلهام ، أم القذف في القلوب وغير ذلك من وجوه المعرفة والاتصال مما لا يعلمها إلّا الله تعالى.
كما تطلق الكلمات على الذوات قال تعالى : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٣٩].
والمراد بكلمة الله تعالى أو كلماته حيث تطلق في الكتاب والسنة ما أنشئ عن ذاته المقدسة ، سواء أكان جوهرا بحسب مراتبه أم عرضا وإنما أطلق لفظ الكلمة عليه من باب ضيق التعبير ، وإلّا فإن منشآته عزوجل تكفي فيها الإرادة والأمر التكويني ، كما قال تعالى : (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس ، الآية : ٨٢]. وما ورد عن الأئمة الهداة (عليهمالسلام) في بعض الأدعية المأثورة : «مضت على إرادتك الأشياء فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة». وأن أمره التكويني عبارة عن إرادته تعالى ، كما أن إرادته فعله.
والمراد بالكلمات في المقام الأعم من المظاهر الأخلاقية النفسانية أو التكليفية ، أو الذوات الخارجية الذي هم مظاهر الحقيقة الإنسانية كالأنبياء والأوصياء الذين هم من نسل إبراهيم (عليهالسلام).
فلا بد أن تكون الكلمات هي ما تقع في طريق الاستكمال الإنساني لأنه المقصد الأسنى من خلق الإنسان ، ومن اتخاذ إبراهيم خليلا ، وموسى كليما ، ومحمدا مرسلا إلى العالمين. وقد شرحت السنة المقدسة تلك الكلمات ، ويأتي التعرض لها في البحث الروائي.