وفي الآية المباركة تسلية للمؤمنين بالنصر ووعد لهم بالكفاية ولن يخلف الله وعده ، وقد ظهر صدقه مرارا. وسيظهر كذلك في ما بعد إلى آخر الزمان. كما أن هذه الآية المباركة من أدلة نبوة نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ورسالته.
قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً). الصبغة اسم للكيفية الحاصلة من صبغ الشيء. فكما أنّ للأجسام ألوانا تظهر للبصر ، كذلك للنفوس والأرواح ، ما هو بمنزلة اللون يظهر لأهل البصائر والبصيرة من بياض وسواد ، وصفاء وكدر ، ونور وظلمة ، وطهارة وخباثة.
وتضاف إلى الله تعالى تارة : إذا حصل من الإيمان بالله وما أنزله على رسله والاستسلام لأمره. وإظهار العبودية له عزوجل وهذا بياض معنوي ، بل لمعان أنوار في النفس بحيث يكون نورا في ذاته ومنورا لغيره ، ولها مراتب كثيرة ودرجات متفاوتة. وأخرى : تضاف إلى غيره تعالى ، وهي الظلمة والكدورة التي تحجب عن مبدأ النور.
فيكون المراد بالصبغة هو العقل الذي يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان الذي تجتمع فيه الشرايع الإلهية على ما يأتي من التفصيل المعبر عنها بالفطرة السليمة ، وما سوى ذلك ليس من صبغة الله تعالى ؛ فصبغة الله تعالى هي الطهارة عن كل دنس روحي ومعنوي ، ولا يمكن أن تجتمع مع الشرك والكفر والنفاق والرذائل النفسانية فلا تتأثر بالتقاليد والأهواء والعصبية ، وإنما هي من صنع الله تعالى التي تبقى وتدوم ، وهي المؤثرة في الإنسان في جميع العوالم التي ترد عليه. وهي التي تميز من كان على الصبغة الإلهية التي يظهر أثرها الكريم من التوحيد والأخلاق الفاضلة والأعمال الشريفة من غيرها الذي يكون على الصبغة البشرية التي هي في اضطراب وتعدد وتفرق.
فما يفعله النصارى من تعميد أولادهم لا ينفع لدنياهم ـ مع ما هم عليه من الكفر ـ إلّا إذا كان ما قرره الإنجيل مصدقا بالقرآن فحينئذ ينفعهم التعميد لأنه من دين الله.
وبالجملة : صبغة الله ترجع إلى ارتباط العبد مع الله تعالى بنحو ما يشاء