الله تعالى ويريده لا بما يشاؤه العبد ويريده ، كما يدل عليه صدر الآية المباركة وذيلها ، فان قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ). وقوله تعالى : (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) بيان للصبغة والعلة لتحققها ، والإيمان والعبودية إنما يتحققان بما يشاء الله المعبود بالحق لا بما يشاؤه العابد.
ومن ذلك يظهر أن تفسير الصبغة بالإسلام ، أو ملة إبراهيم ، أو دين الله كل ذلك صحيح وينبئ عن شيء واحد. وهو : التوجه إلى الله تعالى والانقطاع عن غيره ؛ كما سيأتي في البحث الروائي.
ثم إن هذه الصبغة تنسب إلى الله تعالى نسبة الفعل إلى الفاعل ، كما تنسب إلى العبد نسبة الشيء إلى قابله ، وكل منهما على نحو الاقتضاء لا العلية التامة.
ومن ذلك يظهر أحسنية هذه الصبغة من حيث الذات والمورد والفاعل ، فأصل اللون هو التوحيد والإيمان ومكارم الأخلاق ، ومورده المؤمن ، وفاعله هو الله عزوجل ، وغايته السعادة والخلود في الجنان. ومن آثارها العبودية التي كنهها الربوبية ، فلا يتصور في العالم شيء أفضل وأحسن من هذه الصبغة ، وفيها قال تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سورة الروم ، الآية : ٣٠].
قوله تعالى : (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ). أي : لا نشرك في العبادة والألوهية غيره تعالى. وهو في موضع الحال ، وبيان العلة لأحسنية الصبغة. كما أن نصب «صبغة الله» بالفعل المقدر ، أي : اتبعوا ، أو بدل من ملة إبراهيم ، وإن كان الأخير هو الأوفق ، كما عرفت.
ثم إن كمالات النفس الإنسانية على أقسام ثلاثة :
الأول : ما تكون للدنيا ومن الدنيا وفيها أيضا ولا تتجاوز عنها وهذا هو الكثير الذي ابتلي عامة النّاس به ولا ربط له بصبغة الله تعالى أبدا. نعم هو مورد قضاء الله وقدره.