والآية من الآيات التي تبين كيفية رد من يخاصم الإسلام سواء أكان من أهل الكتاب أم من غيرهم ، ونظير الآية المباركة بوجه أبسط من المقام قوله تعالى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [سورة الشورى ، الآية : ١٥] وهذه الآية شارحة لجميع الآيات الواردة في هذا السياق.
والمستفاد منها أن منشأ النزاع والتخاصم مع دين الإسلام إما أن يرجع إلى المبدأ ، أو إلى المعاد أو إلى أحقية دين الإسلام ، أو إلى جهات أخرى دنيوية. وجميع ذلك غير مقبول بالنسبة إلى الإسلام.
أما الأول : فإذا كان المعادي من لا يعترف بالمبدأ فلا بد له من الرجوع إلى الأدلة العقلية والبراهين الساطعة التي يثبت بها المبدأ ؛ وقد أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله : (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ).
وأما الثاني : فلأنّ إثبات الجزاء للأعمال يستلزم الاعتراف بالمعاد ، لأن العمل لا يعقل بدونه بعد الإعتقاد بالمبدإ فهما متلازمان ثبوتا وإثباتا ، ويدل عليه قوله تعالى : (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) وهو من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم.
وأما الثالث : وهو أحقية الإسلام ـ ويندفع بالآيات البينات والمعجزات الباهرات ، وإليه يشير قوله تعالى : (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ).
وأما الرابع : وهو الأغراض الدنيوية كالتي يدعيها اليهود والنصارى فإخلاص دين الإسلام لله عزوجل ينفي ذلك كله ، إذ لا معنى للدين الخالص الا ما كان له تعالى ، فكل ما سواه باطل خصوصا ما يتعلق بمعبوديته وعبادته.
قوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى). بيّن تعالى حجة أخرى لإبطال دعواهم بأحسن بيان وأتم حجة أي : أتقولون إن إبراهيم (عليهالسلام) وأولاده وأحفاده كانوا هودا أو نصارى ، وأن اليهودية أو النصرانية هما المرضيتان عند الله ولا