الكبيرة. والمراد من الشهادة في المقام شهادة التحمل ، كما هو الظاهر ، فيكون التوبيخ والتعيير حقيقيا لأجل كتمان الواقع وإيقاع النفس في الكبيرة الموبقة والهلاك الأبدي ، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٢١] ، وقوله تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) [سورة الزمر ، الآية : ٣٢] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
والمراد بالمشهود عليه إما رسالة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، وقد أخبر الله تعالى اليهود بأنه يقيم لهم نبيا من إخوتهم ويجعل كلامه في فيه ، كما أخبر المسيح برسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، وقد كتموا هذه الشهادة تعصبا وإنكارا للحق. أو الشهادة بأن إبراهيم (عليهالسلام) كان على دين الحق والإسلام والملة الحنيفية ولم يكن يهوديا ولا نصرانيا ، وقد كتموا الشهادتين ظلما.
ومن المحتمل أن يكون المراد شهادة الأداء أي من أظلم من الله لو كان قد كتم الشهادة على أن إبراهيم (عليهالسلام) كان يهوديا أو نصرانيا ، وقد بيّن خلافها ، فيكون الشرط تقديريا ، ويصح مثل هذا التعبير في المحاورات حتّى مع امتناع المتعلق ، كما في جملة كثيرة من القضايا الشرطية وما في سياقها. ويكون المراد من مثل هذا التعبير هو إيهام الطرف بأن كتمان الشهادة من الظلم القبيح ، وفيه من المفسدة العظيمة ولا سيما إذا كانت الشهادة في المعارف الإلهية والأمور الدينية فيكون أظلم ، ولذا أوعد عليه تبارك وتعالى.
قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). تقدم معنى الغفلة في آية (٧٥) من هذه السورة. وقد ذكرت هذه الكلمة في القرآن العظيم كثيرا ، قال تعالى : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سورة النمل ، الآية : ٩٣] ، وقال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٩٩] إلى غير ذلك من الآيات الشريفة. وبعد فرض إحاطته تعالى بما سواه إحاطة ربوبية قيومية تستحيل الغفلة بالنسبة إليه جل شأنه ، لأنه من الجمع بين