النقيضين ، فالغفلة منه ممتنعة وتقع من عباده بالنسبة إليه تعالى ، ولها مراتب كثيرة جدا. هذا ولكن ليس من القبيح عقلا ولا شرعا غفلته تعالى عن سيئات عباده ، وهي في الحقيقة ترجع إلى تغافله تبارك وتعالى عنها.
قوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ). تقدم معناها وإنما كررت تأكيدا لسوء أخلاقهم ، وبيانا لعدم اقتداء الخلف بالسلف الصالح ، فكانت إحدى الآيتين بالنسبة إلى أصل الحدوث لطائفة ، وهم الأنبياء والرسل ، والأخرى كانت ناظرة إلى البقاء بالنسبة إلى طائفة أخرى ، أي : أنهم يسألون عن أعمالهم مع هذا الدين الجديد ومعاملتهم مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله).
والآية المباركة تشير إلى إنكار رذيلة الاستكبار عن قبول الحق والإصرار على الباطل ، والافتخار بالدعاوى التي لا واقع لها ، والتعلل زورا بمن مضى. وفي تكرارها تأكيد أيضا إلى ارتباط السعادة بالعمل الصالح الذي أكد القرآن الكريم عليه ، فكل يجزى بعمله ، ولكن ذلك لا ينافي ثبوت أصل الشفاعة كما لا دل عليها ، فان انتفاع الناس بعضهم ببعض في الدنيا والآخرة مما لا ريب فيه عقلا وشرعا فالمقام كالآيات الشريفة الدالة على عدم تملك نفس عن نفس شيئا ؛ قال تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [سورة الإنفطار ، الآية : ١٩] التي لا تنفي الشفاعة ، وسيأتي الكلام في الشفاعة مفصلا إن شاء الله تعالى.
بحوث المقام
بحث دلالي :
مما تتضمنه الآيات السابقة كيفية المحاورة والمجادلة مع الخصم ومحاجته ، فقد أقام سبحانه وتعالى أربع حجج على بطلان ما ادعاه أهل الكتاب بأسلوب يقبله الطبع السليم متدرجا من ما هو المتسالم عند الخصم ، ثم إلزامه بنتيجة مدعاه ، ثم تلقينه بما أراده سبحانه. وللقرآن الكريم منهج رفيع في احتجاجاته ومراعاة الأدب الكامل في هذه الجهة ؛ وملاحظة مدركات الخصم كمية وكيفية ، ثم الترقي من الداني بأسلوب رصين ، قال