ولازم للذات ـ المصطلح بذاتي باب البرهان ـ أي لازم الماهية ، كالزوجية للأربعة. وتكرر في كلمات ابن سينا «أنه ما جعل الله تعالى المشمش مشمشا بل أوجده». والأصل في هذه القاعدة يرجع إلى عدم إمكان الجعل التأليفي بين الماهية وذاتياتها ولوازمها ، وأطالوا القول في ذلك بإيراد شواهد ومؤيدات.
والحق أن يقال : إن ذلك وإن كان صحيحا في الجملة بالنسبة إلى الجعل والقدرة الإمكانية لأنها هي التي تقع مورد الإدراك الإنساني والفهم البشري.
وأما أنّها كذلك حتّى بالنسبة إلى القدرة الأزلية التي غاية ما يمكن دركها للعقول إنما هي نفي العجز عنه تعالى ـ كما في الحديث ـ فهو تعالى قادر أي : لا يعجزه شيء ، ولا يصح قياس ما هناك على ما نتعقل إلّا أن يكون تحديدا في قدرته على ما نتعقله ، وهو مناف لعموم قدرته وقيموميته تعالى من كل حيثية وجهة ، وفي الحديث : «هو الذي أين الأين ؛ وكيف الكيف». وفي حديث آخر : «إن الله تعالى مجسّم الأجسام وموجدها».
إن قلت : بعد ما ثبت استحالة الجعل التأليفي ، فكلما ورد من مثل هذه الأحاديث لا بد من حملها وتأويلها. فإن قدرته لا تتعلق بالمحال ، كما عرفت في أحد مباحثنا السابقة.
قلت : الاستحالة إن كانت من البديهيات الأولية ، فلا بد من الحمل أو التأويل ، كما ورد في حديث جعل الدنيا في البيضة. وإن كانت من النظريات القابلة للبحث والجدل ، فقدرة الله تعالى تكون فوق ذلك كله.
وبناء على ذلك يمكن أن تدخل صبغة الله تعالى وفطرته ، والسعادة والشقاوة تحت قدرته ؛ بل هي ليست من الذاتيات الأولية ، ولا من لوازم الذات حتّى تقع مورد النقاش ، وإنما هي أعراض خارجة عن الذات لها دخل في الذات على نحو الاقتضاء ، لا العلية التامة المنحصرة ، وإلّا لطرأ البطلان على جملة كثيرة من مسائل المبدأ ، والمعاد ، كما سنبينها في المباحث المستقبلة إن شاء الله تعالى. وفي بعض كلمات الأقدمين من فلاسفة اليونان أن القيوم المطلق : «مذوت الذوات».