غيرها ، أو للعصبية التي عندهم وإعلام النّاس بأن قبلتهم أحقّ أن تتبع من غيرها. وهذه الأمور كلها سببها الجهل بالحكمة الإلهية ، واتباع الهوى.
قوله تعالى : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). هذه الآية تعليل للتغيير والتحويل من ان المحول اليه هو الصراط المستقيم ومن مورد مشيته الأزلية في هدايته وتقدم في سورة الحمد تفسير كل من الهداية والصراط المستقيم ، فراجع.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). لفظ (كذلك) إشارة إلى ما مضى من جعل هدايته لمن يشاء إلى صراط مستقيم ، وهو قرينة لتعيين معنى الوسطية في الجملة ، كما يأتي ، والجعل : الإيجاد ، والخلق ، والتقدير ، وقد استعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم في ما يربو على مائة وخمسين موردا ، مجردا تارة ، كقوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) [سورة المائدة ، الآية : ٩٧] ، ومضافا إلى ضمير الخطاب ، أو الغيبة أو غيرهما أخرى ؛ كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [سورة المائدة ، الآية : ٤٨] ، وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) [سورة الفرقان ، الآية : ٤٥] ، وفي الجميع يدل على عظمة الجاعل وجلاله وكبريائه. والجعل في المقام تشريفي تعظيمي ، كما يقتضيه كل جعل يتعلق بالشاهد الأمين.
والأمة الجماعة ، وهي من الألفاظ الإضافية تقع على الكثير والقليل والأقل ، وسياق الآية المباركة بقرينة سائر الآيات الشريفة يدل على أن المراد بها في المقام هو الأخير ، كما ستعرف.
والوسط معروف ، فإن أضيف الى ما هو متصل ـ كالأجسام ـ أو ما هو منفصل ـ كالأعداد ـ يكون معيارا لتعيين الطرفين ، وإن أضيف إلى المعنويات يكون معيارا لتمييز مرتبتي الإفراط والتفريط ، وعليه تبتنى الفلسفة الأخلاقية.
وتفسيره بخيار الشيء ، أو الصلاح والعدل ، والاستقامة والإستواء لا بأس به ، فإن هذه الألفاظ وإن كانت لها مفاهيم متعددة لكنها مظاهر لشيء واحد في الواقع ، وفي النفس الإنساني. وذلك لأن الوسط هو المتوسط بين جانبي