الإفراط والتفريط المذمومين ؛ ومن جوامع كلمات نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «خير الأمور أوساطها». ولأجل ذلك فسر الوسط في الأخبار بالعدل ، ومن المعلوم أن العدالة ـ التي هي من أهم كمالات النفس ـ هي المرتبة الوسطى بين مرتبتي الإفراط والتفريط من الملكات النفسانية.
وإذا كان معنى الوسط هو الخيار والعدل ونحو ذلك ، فهل تكون جميع الأمة ، كذلك ، أو أنّ المراد منها بعض الأمة فقط؟ ذهب جمع من المفسرين إلى الأول ، وقال إن المراد بالأمة هم المسلمون جميعا ، فإن الإسلام قد جمع الله فيه بين حق الروح ، وحق الجسد ، فهي روحانية جسمانية ، فليس المسلمون من أرباب الغلو في الدين المفرّطين ، ولا من أرباب التعطيل المفرطين.
ولكن الحق أن يقال : إنّ الخطاب موجه إلى البعض فقط ، ولا يمكن شموله لجميع المسلمين ، وذلك لعدة أمور :
الأول : إنه من المعلوم أن الله تعالى قد ذم أكثر الأمة في آيات كثيرة تارة : بأنهم لا يعقلون ؛ وأخرى : بأنهم لا يعلمون ، وثالثة : بأنهم لا يشكرون ، ورابعة : بأنهم لا يؤمنون ، وخامسة : بأن أكثرهم الفاسقون ، أو أكثرهم يجهلون ، أو أن أكثرهم ، للحق كارهون. ومن كان هذه حاله كيف يمكن أن يتصف بالخيار والعدل وكونهم شهداء على النّاس.
الثاني : إنّ المراد بالشهادة في الآية الشريفة ليست الشهادة الجسمانية ـ تحملا وأداء ـ بل الشهادة الحضورية المعنوية على أعمال الجوارح والجوانح إحاطة حضورية من الله تعالى في مقام التحمل في الدنيا ، وفي مقام الأداء في الآخرة ، ويستلزم ذلك إحاطة الشاهد إحاطة معنوية من قبل الله تعالى ، ولا يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة كل أحد مع ما هم عليه ، فمثل هذه الشهادة تختص بالأقل من أمة محمد (صلىاللهعليهوآله). فالشهادة مما تختلف باختلاف العوالم ، وإنّ الشهادة على الأمور الظاهرية الدنيوية شيء ، وهي بالنسبة إلى النشأة الأخرى شيء آخر.
الثالث : إنه يستفاد من لفظ الوسط ـ بأي معنى لوحظ ـ اختصاص الأمة