ومن ذلك يعلم أنّ الشهادة ليست قولية فقط ، بل يحتمل أن تكون تكوينية أيضا ؛ والمراد من الأخيرة هي : أن أمة الإسلام بالمعنى المتقدم هي بنفسها تكوينا تكون بارزة بحقائقها ومعارفها وأحكامها وتشهد على جميع الأمم والأديان ، كما تشهد الجوهرة النفيسة بين جملة الأحجار أن ليس للأخيرة شأن مقابلها ، أو شهادة المؤمن الكامل الإيمان والمعرفة بنفسه على سائر الأفراد بأن ليس لهم شأن ، وانه على الصراط المستقيم ، وأن ما سواه على غير الصراط فيكون ما ورد في الآية الشريفة من القضايا الفطرية.
ثم إنه يستفاد من الآيات الشريفة والروايات الكثيرة أنّ الشهداء على الخلائق في يوم المعاد لا تنحصر بالرسول (صلىاللهعليهوآله) وأمته ، فإن الله تبارك وتعالى أحد الشهداء على بريته ، قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٣١] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥] ، وقال تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [سورة يونس ، الآية : ٦١]. ولا معنى لقدرته التامة ، وحكمته البالغة ، وقيمومته المطلقة إلّا ذلك.
ومن الشهداء الملائكة ، قال تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [سورة ق ، الآية : ١٨].
كما أنّ منهم جوارح كل فرد من أفراد الإنسان ، قال تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النور ، الآية : ٢٤].
ومنهم الأنبياء ، قال تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) [سورة النحل ، الآية : ٨٩].
ومن الشهداء القرآن ، والزمان ، والمكان وغير ذلك مما يأتي شرح ذلك كله في مباحث الحشر والنشر.