والإشكال على شهادة هؤلاء الشهداء ، بأنها بدون فائدة بعد قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٣٠] ، وقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزال ، الآية : ٨]. وبعد العيان لا وجه للشاهد والبيان ، مع أن جميع الممكنات بجميع أطوارها وشؤونها ، وتمام جهاتها وجزئياتها تحت قدرته المطلقة وقيمومته المهيمنة عليها فلا وجه للإشهاد والشهود. فاسد ، يظهر الجواب عنه مما تقدم من أن ذلك كله لرفع الجحد ، وإتمام الحجة حسب اختلاف الاستعدادات في النفوس.
قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ). القبلة من المقابلة ، ومفهومها قائم أولا بمن يستقبل غيره ، فهي الحالة التي يكون عليها المقابل ـ كالجلسة التي هي حالة الجلوس ـ ثم شاع استعمالها في نفس الجهة التي يستقبلها النّاس في الصلاة. ولم ترد هذه الكلمة في القرآن إلّا في آيات تشريع القبلة وتحويلها ، وفي قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) [سورة يونس ، الآية : ٨٧].
ومادة (ع ق ب) تشتمل على معنى التأخر في الجملة ، ومنه إطلاقها على مؤخر الرجل ـ إذا كان بفتح الأول وكسر الثاني وسكون الأخير ـ وعلى الأولاد والأحفاد لتأخرهم بالنسبة إلى الآباء ممن تقدمهم ، قال تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [سورة الزخرف ، الآية : ٢٨] ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم ، والجميع كناية عن الإدبار والإعراض. وأما ما ورد في الحديث عنه (صلىاللهعليهوآله) : «ويل للأعقاب من النار» فهو كناية عن عدم التحرز والتنزه عما كان يصيب مؤخر الرجل من رشاش البول وغيره مما يضر بالطهارة المشروطة بها الصّلاة وبيان ذلك مذكور في كتب الفقه.
والآية لبيان بعض الحكمة في جعل القبلة التي كان عليها الرسول قبل