تحويلها إلى غيرها ، وذلك للتمييز بين متابعي الرسول (صلىاللهعليهوآله) والثابت على إيمانه عن مخالفيه ومن لاثبات له على الإيمان فارتد على أعقابه ، لأن تحويل القبلة إنما كان سببا لظهور طوائف : قوم هداهم الله تعالى فآمنوا بالرسول وثبتوا على إيمانهم ، وقوم ارتدوا على أعقابهم ، وقوم نافقوا في ذلك. وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذه الطوائف الثلاثة في هذه الآيات المباركة فأراد تعالى أن يميز بين تلك الطوائف ويتميز كل فريق عن صاحبه.
ومثل هذا التعبير ـ في قوله تعالى : (إِلَّا لِنَعْلَمَ) في المقام أو «ليعلم» في غيره ـ في القرآن كثير ، كما في قوله تعالى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) [سورة الكهف ، الآية : ١٢] ، وقوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) [سورة محمد ، الآية : ٣١] ، وقوله تعالى : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) [سورة المائدة ، الآية : ٩٤] ، وقوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٦٦] ، وقوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٥] إلى غير ذلك. ومن المعلوم أن علمه أزلي قديم وعين ذاته ، ولا يتصور فيه التغيير والتجدد والوجه في هذه التعبيرات أحد أمور :
الأول : إنّ مقارنة علمه تعالى لوجود المعلوم أثر كبير في الزجر والتوبيخ ، أو البشارة عند الإنسان.
الثاني : أن يكون المراد بالعلم هو علم الوقوع والظهور ، وأن القضية الحادثة مطابقة لعلمه الأزلي ويترتب عليه الجزاء من الثواب والعقاب.
الثالث : إنّ التعبير بلفظ المستقبل إنما يكون لدفع شبهة الجبر وبيان أن العلم الأزلي ليس علة تامة لحصول المعلوم خارجا ، ولا يعتذر العبد بأنه لا يقدر على ترك الفعل ، لأنه يلزم الانقلاب في علمه.
الرابع : إنّه لبيان فائدة الإعلام إلى الإنسان بأنّ الله تعالى عالم بالأشياء.
الخامس : الجري على عادة العظماء حيث ينسبون حالات أتباعهم