والقول بأنّ المراد من الإيمان ـ في المقام ـ هو الصلاة ، كما قال به جمع من المفسرين وورد به الحديث إنما هو من بيان أحد المصاديق وإلّا فإن سياق هذه الآية يدل على أن المراد به هو معناه المعهود. وقد ورد مفاد هذه الآية في عدة آيات أخرى ، قال تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [سورة الكهف ، الآية : ٣٠].
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). الرأفة أخص من الرحمة من جهتين : من كونها أشد من الرحمة ، ومن أنها لا تكاد تقع في الكراهة بخلاف الرحمة. وهما من أسماء الله الحسنى وغالب ما تستعمل الكلمة في الدعوات مع الرحيم. وقد وردت في القرآن الكريم كثيرا إما مقرونة باللام ـ كما في المقام ـ واما غير مقرونة به ، كقوله تعالى : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٠٧] وهذه الآية في مقام بيان العلة للحكم السابق أي : لا يضيع ، إيمانكم لأنه رؤوف رحيم. وإنما ذكر سبحانه الرأفة لتعميمها بالنسبة إلى العاصي والمطيع.
وقوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ). مادة راى لها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة. وفي مضارعها تحذف الهمزة مطلقا ، كما في المقام. وسعة استعمال الكلمة تعم الدنيا والآخرة بل الرؤيا وحتى الحيوانات. وتستعمل بالنسبة إلى الله جل شأنه ، قال تعالى : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) [سورة التوبة ، الآية : ٩٤].
والمعنى الجامع : هو الإدراك بما له من المراتب الكثيرة ، فيشمل علم الله تعالى وإدراكات المجردات وإدراكات القوى الحاسة الظاهرية والباطنية ، والوهم ، والخيال ، والتفكير والوجدان ، والعلم والظن كل ذلك بحسب مراتبها.
والتقلب التحول من حال إلى حال ، أو التردد المرة بعد المرة ، وسمي القلب قلبا لتحوله وتصرفه من حال إلى حال ، والمراد به في المقام تحويل النبي (صلىاللهعليهوآله) وجهه المبارك في السماء من جهة إلى أخرى تطلعا للوحي وانتظارا لأوامر الله تعالى.