نعم إنّ المفسّرين في الأجيال المتلاحقة ارتووا من ذلك المنهل العذب ( القرآن ) ولكلِّ طائفة منهم منهاج في الاستفادة من القرآن والاستضاءة بأنواره ، فالمنهل واحد والمنهاج مختلف : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) (١).
يتميّز القرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية بآفاقه اللامتناهية كما عبّـر عن ذلك خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال :
« ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، له تخوم ، وعلى تخومه تخوم ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه » (٢).
وقد عبّـر عنه سيد الأُوصياء عليهالسلام ، بقوله :
« وسراجاً لا يخبو توقّده ، وبحراً لا يدرك قعره ـ إلى أن قال : ـ وبحر لا ينزفه المستنزِفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون » (٣).
ولأجل ذلك صار القرآن الكريم ، النسخة الثانية لعالم الطبيعة الذي لا يزيد البحث فيه والكشف عن حقائقه إلّا معرفة أنّ الإنسان لا يزال في الخطوات الأُولى من التوصّل إلى مكامنه الخفية وأغواره البعيدة.
والمترقّب من الكتاب العزيز النازل من عند الله الجليل ، هو ذاك وهو كلام. من لا تتصوّر لوجوده وصفاته نهاية ، فيناسب أن يكون فعله مشابهاً لوصفه ، ووصفه حاكياً عن ذاته ، وبالتالي يكون القرآن مرجع الأجيال وملجأ البشرية في جميع العصور.
______________________
١. المائدة : ٤٨. |
٢. الكافي : ٢ / ٢٣٨. وفي بعض النسخ : له نجوم ، وعلى نجومه نجوم. |
٣. نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨.