قال ابن أبي هاشم : إنّ السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها انّ الجهات التي وُجِّهتْ إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة ، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل ، فثبّت أهل كلّ ناحية على ما كانوا تلقّوه سماعاً عن الصحابة بشرط موافقة الخط ، وتركوا ما يخالف الخط ... ، فمن ثمّ نشأ الاختلاف بين قرّاء الأمصار. (١)
كلّ ذلك صار سبب لاختلاف القراءات التي ليس لها منشأ سوى نفس القرّاء أو المصاحف الموحدة.
مضافاً إلى عوامل أُخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، نذكر منها ما يلي :
كان الخط عند العرب آنذاك في مرحلة بدائية ، ومن ثمّ لم تستحكم أُصوله ، ولم تتعرف العرب على فنونه والإتقان من رسمه وكتابته الصحيحة ، وكثيراً ما كانت الكلمة تكتب علىٰ غير قياس النطق بها ، ولا زال بقي شيء من ذلك في رسم الخط الراهن.
كانوا يكتبون الكلمة ، وفيها تشابه واحتمال وجوه ، فالنون الأخيرة كانت تكتب بشكل لا تفترق عن الراء ، وكذا الواو عن الياء ، وربما كتبوا الميم الأخيرة علىٰ شكل الواو ، والعين الوسط كالهاء ، كما ربما يفكّكون بين حروف كلمة واحدة فيكتبون الياء منفصلة عنها ، كما في « يستحي ي » و « نحي ي » و « أُحي ي » أو يحذفونها رأساً كما في « إيلافهم » كتبوها « إلافهم » بلا ياء ، ولذلك قرأ أبو جعفر وفق الرسم بلا ياء ، وربما رسموا التنوين نوناً في الكلمة ، كما في كلمة « كأيّن » في
______________________
١. البيان في تفسير القرآن : ١٦٥ ، نقلاً عن التبيان للجزائري : ٨٦.