الثالث لمّا رأوا اختلاف المسلمين في التلفّظ ببعض الكلمات ، مثل ما ذكرناه ( أو تغيير بعضه ببعض مع عدم التغيّر في المعنى ، مثل امض ، عجل ، اسرع على فرض الصحة ) قاموا بتوحيد المصاحف وغسل غير ما جمعوه ، فارتفع بذلك التحريف بالمعنى المذكور فاتفقوا على لهجة قريش.
٥. التحريف بالزيادة لكنّه مجمع على خلافه ، نعم نسب إلى ابن مسعود أنّه قال : إنّ المعوذتين ليستا من القرآن ، انّـهما تعويذان ، وانّـهما ليستا من القرآن. (١) كما نسب إلى العجاردة من الخوارج أنّهم أنكروا أن تكون سورة يوسف من القرآن ، وكانوا يرون أنّها قصة عشق لا يجوز أن يكون من الوحي. (٢) ولكن النسبتين غير ثابتتين ، ولو صحّ ما ذكره ابن مسعود لبطل تحدّي القرآن بالسورة ، حيث أتى الإنسان غير الموحى إليه بسورتين مثل سور القرآن القصار.
٦. التحريف بالنقص والإسقاط عن عمد أو نسيان ، سواء كان الساقط حرفاً ، أو كلمة ، أو جملة ، أو آية ، أو سورة ، وهذا هو الذي دعانا إلى استعراض ذلك البحث فنقول : إنّ ادّعاء النقص في القرآن الكريم بالوجوه التي مرّ ذكرها أمر يكذبه العقل والنقل ، وإليك بيانهما :
إنّ القرآن الكريم كان موضع عناية المسلمين من أوّل يوم آمنوا به ، فقد كان المرجعَ الأوّل لهم ، فيهتمون به قراءة وحفظاً ، كتابة وضبطاً ، فتطرّق التحريف إلى مثل هذا الكتاب لا يمكن إلّابقدرة قاهرة حتى تتلاعب بالقرآن بالنقص ، ولم يكن
______________________
١. فتح الباري بشرح البخاري : ٨ / ٥٧١.
٢. الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ١٢٨.