وأمّا الغيّ فهو ـ كما في لسان العرب ـ يستعمل في الخيبة والفساد والضلال (١) ، ومن الواضح انّ هذه المعاني أعمّ من المعصية الاصطلاحية ، ومن مخالفة نصح الناصح.
إنّ القرآن الكريم يصف نفسه بأنّه تبيان لكلّ شيء ويقول : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٢) فهل يصحّ أن يكون مبيّناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه إذا كان فيه إجمال ؟
هذا من جانب ، ومن جانب آخر انّ القرآن تناول موضوعات مهمّة في سور متعددة لغايات مختلفة ، فربما يذكر الموضوع على وجه الإجمال في موضع ويفسره في موضع آخر ، فما أجمله في مكان فقد فصّله في موضع آخر ، وما اختصر في مكان فإنّه قد بسط في آخر ، وبذلك يمكن رفع إجمال الآية الأُولىٰ بالآية الثانية ، كيف وقد وصفه سبحانه بقوله : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ ) (٣) فإنّ المراد من المتشابه هو تشابه معاني الآيات بعضها مع بعض وتسانخها وتكرر مضامينها بقرينة قوله « مثاني » ، وبذلك يظهر انّ رفع إجمال الآية بنظيرتها شيء دعا إليه القرآن الكريم لكن بعد الإمعان والدقة فيه. ولنضرب لذلك مثالاً :
يقول سبحانه في وصف تعذيب قوم لوط : ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ) (٤) ربما يتصوّر القارئ انّهم عذبوا بالمطر الغزير الذي يستعقب السيل الجارف فغُرِقوا فيه ، ولكن في آية أُخرى أتى سبحانه ما يرفع إبهام الآية فقال :
______________________
١. المصدر السابق : ١٤ / ١٤٠. |
٢. النحل : ٨٩. |
٣. الزمر : ٢٣. |
٤. الشعراء : ١٧٣. |